المبحث الأول
امكان التعبّد بغير العلم
وهو مما يعترف به ذوو الفطرة السليمة والعقول المستقيمة ، والشبهات الواردة من قبيل الشبهة في مقابل البديهة ، كما هو معلوم لذوي البصيرة. وليس المراد به الإمكان الذاتي ، إذ ليس البحث عنه من شأن الاصولي ، وإنما هو من مباحث فن الحكمة ، مع أنه لم يدع أحد أن التعبّد بغير العلم عين اجتماع المثلين أو الضدين حتى يكون ممتنعا ذاتيا في مقابل الإمكان الذاتي.
كما أنه ليس المراد به الإمكان الاحتمالي أيضا ، لأنه بمعنى احتمال إمكان الشيء فى مقابل احتمال امتناعه ووجوبه ، فيجتمع مع الامتناع الذاتي أيضا.
بل المراد الإمكان الوقوعي ، أي ما لا يلزم من وقوعه في الخارج محذور عقلي ، كما يقال : المعراج والمعاد الجسمانيان ممكنان ، وحينئذ فيكون نفس الوقوع في الخارج من أقوى أدلة وقوعه وإثباته من دون احتياج إلى التماس دليل آخر ، وتكفي السيرة المستمرة العقلائية قديما وحديثا في الامور المعاشية والمعادية على ذلك ، ولا نحتاج إلى التمسك بأن الأصل في الأشياء هو الإمكان ، لأنه لا أصل له أصلا إن كان المراد به الإمكان الذاتي أو الوقوعي.
نعم احتمال الإمكان جار في كل شيء ، ولكنه من مجرد الاحتمال العقلي ولا ينفع لشيء أبدا ، وهذا معنى ما اشتهر أن : «كل ما قرع سمعك فذره في بقعة الإمكان ما لم يردك عنه قائم البرهان» يعني : أن كل ما سمعت من الغرائب والعجائب لا تبادر إلى الحكم بامتناعه ، بل احتمل إمكانه أيضا في مقابل احتمال