وفيه .. أولا : ما مرّ من لزوم ذلك في العلم أيضا عند المخالفة مع الواقع ، وما هو الجواب فيه يكون جوابا في المقام أيضا.
وثانيا : كما أن الثواب والعقاب بالنسبة إلى الواقعيات يدوران مدار إحرازها وإطاعتها أو مخالفتها. فكذا المصالح والمفاسد أيضا ، فلا مصلحة ولا مفسدة فعليّة من كل جهة مع عدم الإحراز ، وإن كانت فهي من مجرد الاقتضاء الذي لا بأس بتفويت الاولى والإلقاء في الثانية ، لأن مجرد الاقتضائيات والاستعدادات المحضة لا يعتنى بها لدى العقلاء ما لم تبلغ مرتبة الفعلية ، ولا دليل على كون المصالح والمفاسد في التكاليف من قبيل لوازم الماهية غير القابلة للانفكاك عنها مطلقا ، إن لم يكن على عدمه ، بل لنا أن نقول :
إن المصالح والمفاسد في التكاليف ليست إلا الثواب والعقاب بعرضهما العريض الأعم من الدنيوي والاخروي ، كما يصح أن نقول : إن ذلك كله من حكم الجعل بنحو الاقتضاء ، لا علة المجعول على نحو العلة التامة المنحصرة الفعلية ، وهذا الاحتمال هو المتيقن وإثبات غيره يحتاج إلى دليل ، وهو مفقود كما هو معلوم.
وثالثا : بأن تفويت المصلحة أحيانا والإلقاء في المفسدة كذلك مع التدارك بما هو أهم وأعم لا قبح فيه ، لأنه من الشر القليل المتدارك بالخير الكثير ، بل يكون العكس قبيحا ، لأنه من قبيل ترك الخير الكثير للاحتراز عن الشر القليل ، والعقلاء لا يقدمون عليه عند الدوران ، والمصلحة الأهم الأعم في المقام هي ما تترتب على اعتبار غير العلم من التسهيل والتيسير النوعي الذي جبلت الطباع على الحكم بحسنه ، بل لزومه ، والشريعة المقدسة تهتم به أيضا كمال الاهتمام في جميع تكاليفها.
وبعبارة اخرى : فوت المصلحة أو الإلقاء إما دائمي أو أغلبي أو نادر ؛