الاعتقاديات أصلا ، فظهر بطلان تمسك الكتابي بالاستصحاب لبقاء شريعته إلى أن يثبت الدليل على نسخه ، مع أن الدليل إما برهاني ، أو إلزامي ، أو إقناعي ؛ واستصحاب بقاء الشريعة لا يصلح لكل منها. إذ الأول عبارة عن اعتقاد الطرفين بصحة جميع المقدمات القريبة والبعيدة في البرهان ، وإلا فلا ينفع شيئا ، فلا بد وأن يعتقد الكتابي والمسلم بصحة الاستصحاب في الشريعتين ، مع الاعتقاد بصحة كل من الشريعتين مستقلا ، فإذا اعتقد الكتابي بصحة الشريعة الختمية وكونها دينا سماويا ناسخا لما سبقه من الأديان ، يصير مسلما ويزول موضوع الاستصحاب لا محالة. والثاني عبارة عن كون الدليل مشتملا على مقدمة مقبولة لدى الخصم فيرده بما هو مقبول لديه ، مثل أن يقول الكتابي للمسلم : أنت تعترف بصحة الاستصحاب ونبوة عيسى عليهالسلام ، ونحن نستصحب نبوة عيسى إلى أن يثبت الدليل على عدمه. ولا يصح ذلك أيضا ، إذ المسلم لا يعترف بنبوة عيسى مطلقا ، بل نبوته من حيث أخبر بها خاتم الأنبياء صلىاللهعليهوآله ، ونسخت نبوته بالشريعة الختمية ، ومع هذا الاعتقاد لا موضوع للاستصحاب رأسا. والثالث عبارة عما لا يفيد العلم ، بل يوجب رفع المخاصمة في الجملة ، وهو باطل في المقام أيضا ، لأن النبوة مما يعتبر فيه تحصيل العلم ، والدليل الإقناعي بمعزل عن ذلك.
التنبيه الحادي عشر :
لا ريب في تقدم الأمارات مطلقا ، والاصول اللفظية على الاصول العملية بلا خلاف من أحد ، ولكن قد يتردد بعض الموارد في أنه من موارد الرجوع إلى الدليل اللفظي أو الأصل العملي ، وعلى الأول هل هو العام أو الخاص لو كانا في البين؟ كما إذا ورد عام مثل (أوفوا بالعقود) وخاص مثل (المغبون له الخيار)