الفصل الرابع
الاستصحاب
وهو من الاصول المعتبرة الجارية في تمام أبواب الفقه. وقد عرّف بتعاريف جميعها تشير إلى المعنى المعهود ، وليست بحدود حقيقية منطقية ، فلا وجه للإشكال عليها بالنقض والإبرام ، ولعل الأولى الإشارة إليه : بأنه «إسراء أثر ما يعتذر به سابقا إلى زمان الشك فيه».
ولا بد من تقديم امور :
الأول : قد تكرر في هذا الكتاب أن المسألة الاصولية الكبرى الكلية التي تستنتج منها الأحكام ، كقول : «كل أمر ظاهر في الوجوب» ، فإنه بضميمة أن «هذا أمر وكل أمر ظاهر في الوجوب» يستنتج منه الوجوب لا محالة. وكذا في سائر مسائله من أوله إلى آخره. والقاعدة الفقهية ما يبحث فيها عما يتعلّق بالإنسان من حيث الوظيفة الشرعية ، ولا يختص بباب دون باب ، كقاعدة نفي الحرج ، والضرر وغيرهما من القواعد العامة ، وقد تطلق القاعدة على ما يختص بباب خاص أيضا ، كقاعدة «لا تعاد الصلاة إلا من خمس» ، و «لا شك لكثير الشك» ونحوهما مما هو كثير ولا مشاحة في الاصطلاح.
والمسألة الفقهية ما يبحث فيها عمّا يتعلّق به وتختص بباب خاص ، كوجوب الصلاة مثلا ، وقد تطلق على ما لا يختص بباب ، كوجوب الوفاء بالعقود الجارية في جميع أبواب المعاملات مطلقا ، ووجوب أداء حقوق الناس الجارية في الزكاة والفطرة والخمس والمعاوضات والنفقات والديات وغيرها.