الثاني : ملاك وجوب التعلم التحفظ على الواقعيات والاهتمام بها وإمكان الوصول إليها ، وهذا من قبيل اللوازم الذاتية له ، لا يتغير ولا يتبدل بكونه بعد تنجز الواقع أو قبله ، فلو لم يدخل وقت التكليف وعلم المكلف أنه لو ترك التعلم قبل الوقت لفات عنه التكليف بعده ، لحكم العقل والعقلاء بوجوبه قبل الوقت بعين الملاك الذي يحكمون بالوجوب بعده ، وهذا من الوجدانيات لكل من رجع إلى وجدانه وفي مراجعة العرف والوجدان غنى عن إقامة البرهان ، فيندفع الإشكال المعروف الذي استصعبه القوم وأطيل الكلام في دفعه وذهبوا يمينا وشمالا : من أنه لو ترك المكلف التعلّم قبل الوقت ففات عنه التكليف في وقته لا وجه لعقابه ، لأنه إن كان على ترك نفس التكليف يكون من العقاب على غير المقدور ، لأن القدرة على الشيء متفرعة على العلم به وإن كان على ترك التعلم ، فلا وجه للعقاب عليه لأن وجوبه ليس بنفسي ، والعقاب لا بد وأن يكون على ترك الواجب النفسي ، كما مرّ في مباحث الألفاظ.
ويدفع أصل الإشكال بأن العقاب على ترك الواجب النفسي المنتهى بالآخرة إلى الاختيار ـ وهو ترك التعلم ـ ويصدق عليه عرفا أنه ترك الواجب بعمده واختياره فيصح عقابه عليه ، فلا تصل النوبة في دفعه إلى القول بالوجوب النفسي للتعلم ، أو القول بالواجب المعلق.
بدعوى : أن الوجوب للتكليف قبل الوقت فعليّ والواجب استقباليّ ، أو تصحيح ذلك بالشرط المتأخر ، إذ كل ذلك بعيد عن الأذهان العرفية ، وخلاف المشهور مع عدم الدليل عليها وعدم وجود ملزم للقول بها.
الثالث : تدور صحة العلم وبطلانه على المطابقة للوظيفة المقررة له وعدمها ، فكل عمل صدر من كل عامل ـ عالما كان أو جاهلا ، قاصرا كان أو مقصرا ، ملتفتا أو غيره ـ إن طابق الوظيفة المقررة شرعا للعمل صح ، وإلا فلا يصح.