ولا بد من تقديم أمور :
الأول : مورد الاصول مطلقا الجهل الثابت المستقر ، ولا استقرار له إلا بعد الفحص عن الحجة واليأس عنها ، فلا اعتبار لها أصلا إلا بعد اليأس العقلائي عنها.
ثم إنه بعد اليأس عن الظفر بها لا فرق في منشأ حصول الجهل بالواقع بين كونه فقدان النص ، أو إكماله ، أو تعارضه بناء على السقوط حينئذ ، فالمرجع في الجميع هو البراءة في الشبهات الحكمية ـ تحريمية كانت أو وجوبية ، وغيرية كانت أو نفسية ـ فلا بد وأن يجعل الجميع بحثا واحدا ولا وجه لتكثير البحث والعناوين ، واختصاص بعض الأقسام بقول دون البعض الآخر لا يوجب تعدد المبحث ، كما هو واضح. كما أنه لو قلنا في تعارض النصين بالتخيير يخرج عن مورد البراءة أصلا ولا ربط له بها حينئذ.
الثاني : البحث عن حكم الشبهات الموضوعية مطلقا خارج عن فن الاصول ، لأنه متكفل للبحث عن الكليات التي يصح الاعتذار بها في الشريعة ، والشبهات الموضوعية بمعزل عن ذلك ، فالبحث عنها فيه مطلقا استطرادي ، والفقيه والعامي فيه على حدّ سواء.
الثالث : بحث الحظر والترخيص أعم موردا عن بحث البراءة ، إذ لا وجه للثاني إلا بعد ورود الشريعة والتفحّص في الأدلة ، ويصح الأول حتى قبل التشريع أيضا ، بأن يقال : إن مقتضى العبودية هو المنع عن كل شيء مطلقا إلا بعد إذن المعبود ، أو يقال : إن مقتضى كثرة عناية المعبود هو الترخيص في كل شيء إلا مع التصريح بالمنع.
الرابع : المراد بالجهل والشك في مورد الاصول عدم الحجة المعتبرة ، فيعم موارد وجود الظنون غير المعتبرة أيضا.