المحفوظ ، ولا ريب أن بالأصل لا يثبت ذلك ، ولكنه من مجرد الفرض ، كما لا يخفى إذ الفقه غالبه ، بل كله مبني على الأحكام الظاهرية التي تكون مؤديات الأمارات ومجاري الاصول. وإثبات حكم ظاهري في موضوع بجريان الأصل في موضوع آخر كثير شائع ، كمن بلغ ماله إلى حدّ الاستطاعة ، وشك في أن عليه دينا أو لا ، فبأصالة البراءة عن الدين يجب عليه الحج لوجود المقتضي وفقد المانع فتشمله الأدلة قهرا. وكمن شك أن عليه صوما واجبا أو لا ، فبأصالة البراءة عنه يثبت عدمه ، فيستحب له الصوم المندوب ويصح منه. وكمن كان عنده ماء وشك في حليته وحرمته وبأصالة الإباحة تثبت إباحته فيجب عليه الطهارة المائية دون الترابية ، إلى غير ذلك مما لا يحصى.
الشرط الثاني : ـ مما ذكره الفاضل التوني ـ أن لا يكون في إعمالها الضرر على النفس أو الغير ممن يكون محترما شرعا.
وهذا وإن كان حقا لا ريب فيه ولكن لا اختصاص له بأصالة البراءة ، بل لا مجرى للاصول العملية مع قاعدة من القواعد المعتبرة ، بلا فرق بين قاعدة الضرر وغيرها ، فإنها مقدمة على الأمارات المثبتة للأحكام فضلا عن الاصول العملية.
ثم إنه لا بأس بالإشارة إلى قاعدة : «لا ضرر ولا ضرار» إجمالا ، وفيها جهات من البحث ..
الاولى : أنها من القواعد العقلائية الدائرة بين الناس في جميع الملل والأديان ، إذ السلطنة على النفس والعرض والمال مما اتفقت عليه آراء العقلاء ، والتنقيص في كل واحد منها من المقبّحات لديهم ، ويؤاخذون من تصدى لذلك ويلومونه ويعاقبونه ، وعلى ذلك يدور نظام معاشهم. فهذه القاعدة من صغريات أصالة احترام النفس والعرض والمال التي هي من أهم الاصول النظامية العقلائية ، بل الضرر من الظلم المنفي بالأدلة الأربعة ، فلا وجه لإتعاب النفس في