قبحه عليهما كذلك ، فإثبات الحرمة إما بالعقل أو بالعرف أو بالشرع ، والأولان أجنبيان عن إثبات الحرمة ، لأنه من شأن الشارع لا غيره ، مضافا إلى أنهما يشهدان بعدم الحرمة. وأما الأخير فلا دليل في البين إلا ما ادعي في بعض صغريات التجري ، كالإجماع المدعى على أنه مع خوف ضيق الوقت يأثم في تأخير الصلاة وإن بان السعة ، والإجماع المدعى على وجوب إتمام الصلاة على من خاف الضرر في سفره وإن بان الخلاف.
وفيه .. أولا : عدم الاعتماد على مثل هذه الإجماعات.
وثانيا : بأن للخوف موضوعية في أمثال المقام ، فيكون ذلك من المعصية الحقيقية ، فلا موضوع للتجرّي حينئذ أصلا ، كما مرّ من أن التجرّي إنما يتصور في ما هو طريقي فقط لا في ما له دخل في الموضوع ولو في الجملة.
وينبعي التنبيه على امور :
الأول : تظهر الثمرة في القبح الفعلي وعدمه في ما إذا كان عبادة ، فلا يصح التقرّب به مع قبحه ، كما إذا اعتقد غصبية المكان ومع ذلك صلّى فيه وحصل منه قصد القربة ثم بان الخلاف ، فإن قلنا بالقبح الفعلي لا تصح الصلاة ، لعدم صلاحية القبيح للتقرّب به ، وإن لم نقل به تصح الصلاة ولا شيء عليه. هذا إذا احرز أن القبح الفعلي العرفي لازم للقبح الشرعي أيضا وموجب لاستحقاق العقاب. وأما إذا لم يحرز ذلك فلا وجه للبطلان أصلا ، ولا طريق لنا لإثبات هذه الملازمة من عقل أو نقل على نحو الكلية.
الثاني : التجري طغيان وظلم على المولى ، وقبحهما من المسلّمات لدى العقلاء ، ولا يزول ذلك إلا بعروض عنوان حسن أرجح منه مع كونه ملتفتا إليه عمدا واختيارا.