فما عن الفصول من أنه لو اشتبه عليه مؤمن ورع بكافر واجب القتل ، وقطع بأنه الكافر ومع ذلك تجرى ولم يقتله ، لا يستحق الذم على التجري لتدارك قبح تجرّيه بحسن حفظ النفس المحترمة.
مردود : بأن الطغيان صدر منه عن عمد واختيار ، بخلاف حفظ النفس المحترمة فإنه لم يكن ملتفتا إليه أصلا ، فلا يوجب الحسن واستحقاق المدح ، وما كان كذلك كيف يرجح على القبيح الصادر منه بالعمد والاختيار ، ولا فرق في ذلك بين كون قبح التجري ذاتيا أو بالوجوه والاعتبار ، إذ الترجيح مطلقا لا بد وأن يكون بما يصدر عن العمد والاختيار.
نعم ، ملاك الحسن موجود فيه ، ولكنه أيضا غير ملتفت إليه مع الالتفات إلى القبح وملاكه المتحقق في التجري.
الثالث : لا ريب في تباين التجري الاصطلاحي مع المعصية الحقيقية ، لاعتبار عدم المصادفة مع الواقع في الأول واعتبارها في الثاني.
فما عن صاحب الفصول من أنه مع مصادفة التجري للمعصية الحقيقية يتداخل عقابهما.
مخدوش .. أولا : بعدم تعقل مصادفة التجري الاصطلاحي للمعصية الحقيقية.
وثانيا : على فرض التعقل بأن يكون مراده رحمهالله إتيان الحرام لأجل مبغوضيته لدى المولى لا لغلبة الشهوة ونحوها ، فلا وجه حينئذ للتداخل مع كونه خلاف الأصل. إلّا أن يكون مراده بالتداخل اشتداد العقاب لا التداخل الاصطلاحي.
نعم ، لو شرب مائعا بقصد شرب جنس الحرام واعتقد أنه خمر ، فبان كونه مائعا نجسا ، يمكن أن يتحقق فيه الحرام والتجري من جهتين.
الرابع : للتجري مراتب متفاوتة جدا ..