ورابعا : أنه لا وجه لكون مورد البراءة في المقام عدميا ، بل هو عبارة عن خصوصية خاصة في الواجب التعييني تقتضي إتيانه بذاته فقط. كما أن التمسك لتعيين التعييني ، بما مرّ في مباحث الألفاظ أن إطلاق الوجوب يقتضي كونه عينيا نفسيا تعيينيا باطل ، لأنه في مقام الإثبات ، وما نحن فيه في مقام الثبوت ، فلا وجه للخلط بينهما.
ثم إن الواجب التخييري ..
تارة : في ظاهر الخطاب الشرعي ، كخصال الكفارات مثلا.
واخرى : عقلي ، كما في المتزاحمين المتساويين خطابا وملاكا.
وثالثة : التخيير في المسألة الاصولية ـ أي التخيير في أخذ الحجة ـ والرجوع إلى البراءة إنما يصح في القسم الأول فقط. وأما الأخيرين فاحتمال التعيين في أحدهما مرجح يتعين الأخذ به ، فلا وجه للبراءة حينئذ.
فتلخّص من جميع ما مرّ : تعين الرجوع إلى البراءة في جميع موارد دوران الأمر بين التعيين والتخيير ، وهي أربعة :
الأول : الشك في أصل تشريع الوجوب ابتداء ، ثم الشك في أنه على فرض الثبوت تعييني أو تخييري ، فيكون في البين شكان طوليان ، ويرجع فيهما إلى البراءة عند الكل.
الثاني : العلم بأصل الوجوب ، والشك في أن هذا بالخصوص تعييني ، أو أنه أحد فردي الواجب التخييري ، وقد أثبتنا فيه الرجوع إلى البراءة أيضا.
الثالث : العلم بوجوب كل واحد من الطرفين ، والشك في أن هذا الوجوب من كل منهما تعييني أو تخييري ، والمرجع فيه البراءة أيضا ، لعين ما تقدم في سابقه.
الرابع : العلم بوجوب شيء والعمل بأن الشيء الآخر مسقط عنه ، سواء كان مباحا أو مندوبا ، والشك في أنه واجب تعييني أو لا ، والمرجع فيه البراءة أيضا ، لعين ما تقدم.