وبعبارة اخرى : غاية الخلق بيان التكاليف بواسطة الأنبياء والرسل ، وقد حصل وثبت بأحسن وجه. والأخير لا ربط له بالمقام ، مع أنه لا بد وأن يحمل على المعرفة الكاملة الحاصلة من العبادة لا أصل ذات المعرفة ، لأن العبادة متوقفة عليها ، كما لا يخفى.
ورابعة : بآية النفر وهي قوله تعالى : (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ).
وفيه : أنها في مقام الترغيب إلى التفقه وكيفيته في الجملة ، وأما ما يجب التفقه فيه فليست في مقام بيانه ، وعلى فرضه تكون إرشادا إلى حكم العقل لا أن يكون دليلا مستقلا.
فوائد :
الاولى : لا ريب في أن مجرد المعرفة أعم من الاعتقاد والجزم ، والواجب في الاصول الأربعة ـ التوحيد ، والمعاد ، والنبوة ، والإمامة ـ الاعتقاد والجزم دون مجرد المعرفة ، لأن احتمال دفع الضرر لا يندفع بمجرد العلم من دون اعتقاد وجزم. وكما أن العلم في الأحكام الفرعية العملية طريق إلى العمل يكون في الاعتقاديات طريقا إلى عقد القلب والجزم بما علم ، فلا يكفي مجرد العلم والمعرفة.
الثانية : لا يعتبر في المعرفة أن تكون حاصلة عن الاستدلالات الكلامية والحكمية أو غيرهما من البراهين العلمية ، بل يكفي حصول الاعتقاد والجزم ولو من تلقين الآباء والأجداد ونحوهم ، للاتفاق على صحة إسلام العوام وغيرهم ممن حصل لهم الجزم بها مما ذكر ، ولا يقدرون على شيء أزيد منه.