فلا وجه لتوهم البيان في الأول ، كما لا وجه لتوهم وجوب الاحتياط في الثاني بمرفوعة زرارة الدالة على الاحتياط في تعارض النصين ، لقصورها عن إثبات إيجاب الاحتياط فيه ، كما مرّ في مباحث التعارض ، هذا مع اتفاق الأخباريين إلى الرجوع إلى البراءة في الشبهات الوجوبية أيضا كالاصوليين.
ثم إنه لا فرق في الحرمة المشكوك فيها بين كونها نفسية أو غيرية ، كما لا فرق في الوجوب المشكوك فيه بين كونه نفسيا أو غيريا ، عينيا أو كفائيا ، لشمول أدلة البراءة لجميع ذلك ، كما هو واضح. هذا كله في الشبهة الحكمية تحريمية كانت أو وجوبية بجميع الأقسام المتصورة فيهما.
وأما الموضوعية فاتفق العلماء من اصولييهم وأخبارييهم على البراءة فيها ، ويدل عليها مضافا إلى الإجماع المحقق ، جميع ما مرّ من أدلة البراءة من الكتاب ، والسنة ، والعقل ، لأن المراد بالبيان الذي لا تجري معه قاعدة قبح العقاب بلا بيان ، ولا أدلة البراءة ، هو تبين الحكم بقيوده المعتبرة فيه لا مجرد صدوره من الشارع بأي وجه اتفق ، ولا ريب أن تبين الموضوع من حدود الحكم وقيوده ، ومع عدمه لا تتم الحجة والبيان ، كما هو أوضح من أن يخفى.
وينبغي التنبيه على امور :
الأول : قد تسالم العلماء ، بل ارتكز في النفوس أن الأمارات مقدمة على الاصول الموضوعية التي هي عبارة عما يرتفع بها موضوع أصل آخر وهو الشك ، وهي مقدمة على الاصول الحكمية ، فلا يجري الأصل الموضوعي مع وجود الأمارة ، كما لا يجري الأصل الحكمي مع وجود الأصل الموضوعي ، وهذا من الامور المسلّمة الجارية في تمام أبواب الفقه ، فلا تجري أصالة البراءة مطلقا مع وجود أصل موضوعي في موردها ، كأصالة عدم التذكية ، وأصالة احترام النفس والعرض والمال ، وأصالة الحرية ونحوها من الاصول المعتبرة