فالاستصحاب مقدم على جميع الاصول ومنشأ هذا التقدم ظهور الاتفاق ؛ والاستصحاب يكون برزخا بين الأصل المحض والأمارة المحضة ، فمن الجهة الاولى تقدم عليه جميع الأمارات ، ومن الجهة الثانية يقدم على جميع الاصول.
ثم إن التقدم في غير موارد التزاحم لا بد وأن يكون لأحد امور خمسة ، وهي مرتكزة في أذهان أهل المحاورة وإن لم يلتفتوا إليها تفصيلا : إما للتخصص ، أو الورود ، أو الحكومة ، أو التخصيص ، أو الجمع العرفي. وفي التزاحم لا بد وان يكون لأقوائية الملاك على ما تقدّم تفصيله في محله ، والظاهر أن هذه الخمسة من قبيل مانعة الخلو ، فيمكن اجتماع أكثر من واحد منها في مورد.
كما أن الظاهر أن تقدم الأمارات على الاصول للورود ، لأن الاصول مجعولة في ظرف الحيرة المحضة ، وهي منتفية مع وجود الأمارة ، وهذا معلوم ولا وجه للإطناب فيه ، مع أنه لا ثمرة عملية في البين ، سواء كان التقدم لأجل الورود أو الحكومة.
ثم إن التخصص عبارة عن الخروج الموضوعي تكوينا.
والورود عبارة عن الخروج الموضوعي بعناية التعبّد ، أو بناء العقلاء.
والحكومة عبارة عن كون دليل الحاكم مفسرا وشارحا لدليل المحكوم ، توسعة أو تضييقا ، أو هما معا من جهتين.
والتخصيص هو الخروج الحكمي عن دليل العام مع كونه من أفراده موضوعا ، ولعل الفرق بين التخصيص والحكومة بأن الثاني من شئون المعنى أولا وبالذات ، بخلاف الأول فإنه من شئون الألفاظ في المحاورات.
والجمع العرفي هو الجمع بين الدليلين بما يقتضيه الطبع السليم ويرتضيه الذوق المستقيم ، ولا تضبطه ضابطة كلية ، بل يختلف اختلافا فاحشا حسب اختلاف الموارد.