وأما لو كان كل واحد منهما أو أحدهما المعين تعبّديا ، فيتصور فيه حينئذ المخالفة القطعية بترك قصد القربة ، فتحرم وإن لم تجب الموافقة لعدم إمكانها ، ولكن الظاهر أنه مع عدم ثبوت أحدهما بالخصوص يكون الحكم هو التخيير أيضا ، بدعوى أنه الأصل لدى العقلاء في كل ما تردد بين شيئين مثلا ولم يعلم بالخصوص.
نعم ، فرّق بين التخيير هنا وما مر في التوصلي ، فإنه فيه فطري تكويني وهنا عقلائي اختياري ولا بد من قصد القربة في ما يعتبر فيه ، سواء كان كل منهما أو أحدهما.
ثم إن ما تقدم إنما هو في ما إذا كان الطرفان ، أو الأطراف متساوية من جميع الجهات ، وأما لو كانت مزية في البين ، فيكون من موارد الدوران بين التعيين والتخيير ، وقد مرّ البحث فيه ، فراجع.
الجهة الثالثة : مقتضى بقاء مناط التخيير ـ وهو التّحير والجهل بالواقع وعدم الترجيح ـ كون التخيير استمراريا ، فلا موجب لزواله بعد الأخذ بأحدهما إلّا لزوم المخالفة القطعية ، ولكنها ليست بمانعة لحصول العلم بها بعد العمل ، وما هو الحرام إنما هو المخالفة عن علم وعمد عند الارتكاب ، بأن يكون حين العمل عالما ، وكان عاصيا ، هكذا قيل.
ولكنه مشكل ، فإنه يعلم بوقوعه في الحرام في صورة استمرار التخيير ، فيكون مثل العلم الإجمالي بالوقوع في الحرام في الأطراف التدريجية فلا يصح ، كما يأتي من عدم الفرق بين التدريجية منها والدفعية. ومقتضى مرتكزات المتشرعة عدم الفرق بينها أيضا ، وليس من شأن الفقيه الترخيص فيها. ومن هنا يصح أن يقال بأولوية الموافقة الاحتمالية في المقام عن الموافقة القطعية ، لاستلزام الأخيرة المخالفة القطعية أيضا.