دليل وجوبه منحصر بالعلم الإجمالي بثبوت الأحكام في الواقع ، ولا أثر لهذا العلم الإجمالي أصلا.
أما أولا : فلأن الحق في بيان العلم الإجمالي أن يكون هكذا : «إنا نعلم إجمالا بتشريع أحكام في الشريعة ، لو تفحصنا عنها لظفرنا بها في موارد الطرق المعتبرة ، وقد تفحّصنا واطلعنا عليها فيها فيزول العلم الإجمالي حينئذ رأسا» ، فلا يبقى بعد ذلك موضوع لوجوب الاحتياط أصلا.
وأما ثانيا : فلأن هذا العلم الإجمالي غير منجز ، لخروج جملة كثيرة من أطرافه عن مورد الابتلاء في كل عصر وزمان من أول البعثة إلى ظهور الحجة ، إلا أن هذه الجملة تتبدل بحسب الظروف والجهات الخارجية ، كخروج أحكام العبيد والإماء ونحوها في هذه الأعصار عن محل الابتلاء ، وفي أوائل الإسلام جملة مهمة منها غير الضروريات كانت خارجة عن مورد الابتلاء.
وبالجملة : الابتلاء وعدمه من الامور التدريجية الوجود والانقضاء ، كما لا يخفى على المتأمل.
إن قيل : العلم الإجمالي الكبير يكون كذلك ، فلا تنجز له من هذه الجهة. وأما الصغير ـ وهو الحاصل بين الأحكام الابتلائية ـ فلا ريب في تنجزه فيجب الاحتياط فيه ، وهو المطلوب.
يقال : ينحل ذلك أيضا ، ولا أثر له بسبب الأمارات المعتبرة والضروريات والمسلّمات وغيرها ، فلا تنجز للعلم الإجمالي بكبيره وصغيره ، فلا وجه لوجوب الاحتياط ولا تبعيضه ، كما لا يخفى. وقد استقصى صاحب الوسائل في كتابه المسمى ببداية الهداية : الواجبات بألف وخمسمائة وخمسة وثلاثين ، والمحرمات بألف واربعمائة وثمانية وأربعين ، والظاهر أنه قدسسره عدّ جميع الشواذ والنوادر أيضا واستقصى ذلك نهاية الاستقصاء. ولا ريب في كفاية الأمارات والقواعد والاصول المعتبرة بهذا المقدار ، كما هو معلوم على الخبير البصير.