ويرد : بأنها إن اريد الاعتماد في تفريغ الذمة فلا وجه له ، لأن الشك في فراغ الذمة عما علم اشتغالها به ـ وإن اريد بها إباحة العمل بكل رطب ويابس وغث وسمين ـ فهو معلوم البطلان لدى العوام فضلا عن الأعلام.
الثاني : أن المقام من صغريات دوران الأمر بين المحذورين ، لدوران الأمر في غير العلم بين وجوب العمل به وحرمته ، والحكم فيه هو التخيير.
ويرد : بأن ما هو المرتكز في الأذهان من التثبت والتأمل في العمل بغير العلم إلا مع دليل يدل عليه ، يخرج المقام عن الدوران بينهما ، كما لا يخفى.
الثالث : أن المقام من موارد دوران الأمر بين التعيين والتخيير ، لاحتمال تعين العمل بخصوص العلم ، أو التخيير بينه وبين العمل بغيره.
ويرد : بما مرّ من بطلان العمل بغير العلم مطلقا إلا مع دليل يدل عليه ، فكيف يمكن أن يجعل عدلا للعلم ويحكم بينهما بالتخيير ، مع أن مسألة دوران الأمر بين التعيين والتخيير محل خلاف وإشكال ، فذهب جمع إلى التخيير ، كما يأتي في محله إن شاء الله تعالى.
وينبغي التنبيه على امور :
الأول : لا ريب في حرمة التشريع شرعا ، بل الظاهر كونه من المقبّحات العقلائية أيضا ، لكونه نحو تصرف في سلطان المولى ، لانتساب ما لم يعلم صدوره منه إليه ، وذلك نحو ظلم عليه ، ويدل عليه قوله تعالى : (لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ) فإن أجلى مصاديق الآية الكريمة التشريع ، فلا بد وأن تكون الإرادة التشريعية لإرادة الله عزوجل ، كتبعية الإرادة التكوينية لها ، وقوله تعالى : (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ) وغيرهما من الآيات الشريفة.