والأولان قبيحان بلا إشكال ، والأخير متدارك بالمصلحة ، بل قد يكون تركه قبيحا.
هذا بناء على كون الاعتبار من الطريقية المحضة ، وأما بناء على الموضوعية والسببية ، فإن كان المراد بها خلو الواقع رأسا عن الملاك والحكم ، بحيث كانت الأمارة موجدة للمصلحة واقعا بعد أن لم يكن في البين مصلحة أصلا ، أو منقلبة عما في الواقع إلى مفادها ، بحيث ينعدم الواقع بعد ما كانت ثابتة ، فكلاهما خلاف مرتكزات العقلاء في الأمارات الدائرة بينهم ، بل يستنكرونها بمقتضى فطرتهم ، فلا نحتاج في رده إلى التمسك بالإجماع ، ودعوى تواتر الأخبار على الخلاف ، ولا ريب أن الشارع لم يخترع طريقة مستقلة في التعبد بغير العلم في مقابل مرتكزات العقلاء.
نعم ، اعتبر امورا ، كالتعدد والعدالة في بعض الموارد ، وردع عن امور كالقياس والاستحسان ونحوهما ، وفي ما لم يثبت الردع ولم يعتبر شيء يكون المتبع هو الطريقة العقلائية ، فهذا المعنى من السببية لا وجه له لدى العقلاء ، بل مستنكر لديهم ، مضافا إلى دعوى الإجماع وتواتر الأخبار على خلافهما.
وإن كان المراد بها حدوث المصلحة في موردها في طول الواقع ـ مصلحة تفضلية تداركية للواقع مع اتفاق فوته ـ فلا بأس به ، بل هو حسن وواقع عند العرف والعقلاء ، ويقتضيه سماحة الشرع الأقدس ورأفته بامته. وحينئذ فإن وافقت الأمارة مع الواقع فنعم الوفاق ، وإن خالفت وكان في الواقع واجبا وأدت إلى خلافه ، فمصلحة الواقع وإن فاتت عن المكلف لكن يتفضل الشارع عليه بما يتداركها ، وإن كان في الواقع حراما وأدت إلى خلافه فقط ظفر المكلف بالمصلحة التفضلية.
وإنما الكلام في وقوعه في المفسدة الواقعية. والحق أنه لا يقع فيها لأنها إن كانت العقاب فلا عقاب في صورة الجهل ، وإن كانت شيئا آخر غيره فلا نسلم