المسلمين ، لأنّ نفس الغراس ، ملك للغارس ، فكيف يستحقها رب الأرض ، ومن أي وجه صارت له ، وأيّ دليل دلّ على ذلك ، ولا يرجع في ذلك إلى سواد مسطور ، أو خبر واحد من أضعف أخبار الآحاد ، إن كان قد ورد ، ويترك الأدلة القاهرة ، والأصول الممهّدة ، من أدلة العقل ، وأدلة السمع ، ولقد شاهدت جماعة من أصحابنا الذين عاصرتهم ، يخبطون في ذلك ، خبط عشواء ، وكلّ منهم يقول قولا غير محصّل ، ليصححوا ما ليس بصحيح ، كأنهم وجدوه مسطورا في كتاب الله ، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ، ولا من خلفه ، فالحمد لله على التوفيق لإصابة الحق.
فإن فسدت الأرض بالغرس ، كان لربها عليه أرش ما فسد ، ويرجع هو على البائع له بذلك.
ومن كان له على غيره مال ، أو متاع إلى أجل ، فدفعه إليه قبل حلول الأجل ، كان بالخيار بين قبضه ، وتركه إلى وقت حلول الأجل ، وكان ذلك في ضمان المديون عليه ، وليس لأحد أن يجبره على قبضه قبل أجله.
وإذا كان له على غيره مال بأجل ، فسأله تأخيره عنه إلى أجل ثان ، فأجابه إلى ذلك ، كان بالخيار ، إن شاء أمضى الأجل الثاني ، وإن شاء لم يمضه ، بغير خلاف بين أصحابنا فيه : لأنّه بمنزلة الهبة الغير مقبوضة ، فللإنسان أن يرجع فيها.
ومتى تقايل المتبايعان البيع ، انفسخ العقد ، فإن عقداه بعد الإقالة بأجل ، لم يكن للبائع الرجوع فيه ، ووجب عليه الوفاء به ، بخلاف تلك المسألة المتقدّمة.
والفرق بينهما ، أنّ تلك كانت بأجل ، وحلّ الأجل ، ثم سأل التأخير في الأجل ، بعد حلوله ، واستحقاقه ، فأجيب إلى ذلك ، فللمجيب الرجوع في هبته ، والمسألة الأخيرة بعد فسخ البيع ، وعقده ثانيا إلى أجل ثان ، لا يجوز الرجوع فيه لأنّه ما حلّ ، ثم أجّله بعد ذلك ، لأنّ هذا الأجل ، أجل أول مستحق على البائع ، بالشرط المقابل للعوض الذي هو المبيع ، فلا يجوز له الرجوع فيه ، لأنّه غير متبرّع به ، فافترق الأمران.