بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ) (١) فجعل النكاح في الولاية بيدها ، وأضافه إليها ، فالظاهر أنّها تتولاه ، وقوله تعالى ( فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) (٢) فأباح فعلها في نفسها ، من غير اشتراط أحد من الأب والجدّ ، وقوله تعالى ( فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا ) (٣) فأضاف التراجع إليهما ، وهو عقد ، لأنّه لو أراد الرجعة من الزوج وحده ، لما أضافه إليهما معا.
وأيضا فلا خلاف بين أصحابنا المخالف في المسألة والمؤالف ، أنّ الأب بعد البلوغ والرشد تخرج الولاية منه عن المال ، ويجب تسليمه إليها ، والاتفاق على أنّ العاقل لا يحجر عليه في ماله ونفسه إلا ما خرج بالدليل من المفلس ، ولا خلاف بينهم أنّ بالبلوغ يكمل عقلها ، ويجب تسليم مالها إليها ، ويصح عقود بيوعها ونذرها وإيمانها ، لقوله تعالى ( فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) (٤) ومن جملة فعلها بنفسها ، عقدها عليها عقدة النكاح ، وقد أباح لها الله تعالى ذلك بصريح لفظ الآية ، ما تفعله في نفسها ، وذلك عام في جميع الأفعال ، فمن ادّعى التخصيص يحتاج إلى دليل.
فعلى هذا التقرير والتحرير ، إذا لم ترض بعقد أبيها وأظهرت كراهية عقده ، فإنّه يكون باطلا مفسوخا ، وإن رضيت به وامضته ، فإنّه يكون صحيحا ، ويجري مجرى غيره من الأجانب ، لأنّ العقد عندنا في النكاح يقف على الإجازة بغير خلاف بيننا ، إلا ممن شذ وعرف اسمه ونسبه ، وسنذكر ذلك فيما بعد إن شاء الله تعالى.
وأيضا فلا خلاف بين المخالف والمؤالف من أصحابنا في المسألة ، أنّ ولاية الأب تزول عن البكر البالغ في عقد النكاح المؤجل ، فبالإجماع قد زالت ولايته هاهنا في النكاح المؤجل ، فلو كانت ولايته ثابتة في النكاح بعد البلوغ ، لم تزل في أحد قسميه ، وتثبت في الآخر ، فمن ادّعى ثبوت ولايته في القسم الآخر الذي
__________________
(١) و (٣) البقرة : ٢٣٠.
(٢) و (٤) البقرة : ٢٣٤.