الطبري أنّ في أصحابه من حمل المسألتين على ظاهرهما ، وفرّق بينهما بأنّ العادة جرت بإعارة الدواب ، وفي الأرض بالإجارة دون العارية. دليلنا على ما قلناه : أولا إجماع الفرقة على أنّ كلّ مجهول يشتبه ، ففيه القرعة ، وهذا من ذاك ، وأمّا ما قلناه ثانيا ، فهو أن الأصل براءة الذمة ، وصاحب الدابة والأرض مدّع للأجرة ، فعليه البيّنة ، فإذا عدمها ، كان على الراكب والزارع اليمين ، هذا آخر المسألة من كلام (١) شيخنا أبي جعفر (٢) رحمهالله.
قال محمّد بن إدريس : أمّا رجوع شيخنا إلى القرعة في هذا ، ليس بواضح (٣) ، لأنّ هذا أمر غير مجهول ، ولا مشكل ، بل هذا بيّن ، والشارع والإجماع بيّنه ، وهو مثل الدعاوي في سائر الأحكام ، من أنّ على المدّعي البينة وعلى الجاحد اليمين. وأمّا ما قاله ثانيا ، فهو الذي اختاره في كتاب العارية ، وهو خيرة المزني ، صاحب الشافعي ، وقد بيّنا ما عندنا في ذلك ، وهو إنّا لا نقبل قول مدّعي مقدار الأجرة ، ولا نقبل قول مدعي العارية ، ونأخذ عوض المنفعة المتحققة الذي هو الركوب والزرع ، لأنّا إذا لم يسلم لنا العوض المدّعى من الأجرة ، رجعنا إلى العوض (٤) ، وهو اجرة المثل ، ولا نقبل قول الزارع والراكب في إبطال المنفعة كلّها ، وهي متحققة قد استوفاها ، وهو مدّعي لسقوط عوضها بالكلية ، فهذا تحرير هذه الفتيا ، فليلحظ ، فإنّها غير ملتبسة ولا غامضة على المتأمّل ، فإنّي لا أستجمل القول لشيخنا أبي جعفر الطوسي رحمهالله مع جلالة قدره ، ما قاله في المسألتين من القرعة ، والقول الثاني الذي قال فيه : إنّ الأصل براءة الذمّة.
وإذا استعار من غيره دابة ليحمل عليها وزنا معينا ، فحمل عليها أكثر منه ، أو ليركبها إلى موضع معيّن ، فتعدّاه ، كان متعدّيا ، ولزمه الضمان ، ولو ردّها إلى المكان المعيّن بلا خلاف.
__________________
(١) ج : آخر كلام.
(٢) الخلاف ، كتاب المزارعة ، المسألة ١١.
(٣) ج : بصحيح.
(٤) ج : المعوّض.