أصحابنا قديما وحديثا يتجاسر ، ويقدم على أنّ رجلا أقرّ عند الحاكم بمال لرجل آخر ، وقال بعد إقراره إن شاء الله ، لا يلزمه ما أقرّ به.
فأمّا شيخنا أبو جعفر ، فهو محجوج بقوله ، فإنّه رجع عمّا حكيناه عنه في الجزء الثالث أيضا في كتاب الأيمان ، فقال : مسألة ، لا يدخل الاستثناء بمشية الله تعالى إلا في اليمين فحسب ، وبه قال مالك ، وقال أبو حنيفة : يدخل في اليمين بالله ، وبالطلاق وبالعتاق ، وفي الطلاق والعتاق ، وفي النذور والإقرارات ، دليلنا أنّ ما ذكرناه مجمع على دخوله فيه ، وما قالوه ليس عليه دليل (١) ، هذا آخر كلامه.
قال محمّد بن إدريس : اختار رضياللهعنه في المسألة الأولى مذهب أبي حنيفة ، واختار في المسألة الثانية مذهب مالك ، ثم استدلّ على صحّة المسألتين.
ولعمري إنّ الأدلة لا تتناقض ، وانّما حداه على ذلك الدخول مع القوم في فروعهم وكلامهم ، ولو لزم طريقة أصحابه من التمسّك بأصول مذهبهم وترك فروع مخالفيه ، كان أولى وأحوط وأسلم له ، ولمن يقف على كتبه وتصنيفه ممن يقلّده ويتبع أقواله نسأل الله التوفيق.
باب اللعان والارتداد
اللعان مشتق من اللعن ، وهو الإبعاد ، والطرد ، يقال : لعن الله فلانا ، يعني أبعده وطرده ، فسمّي المتلاعنان بهذا الاسم ، لما يتعقب اللعن من المأثم والأبعاد والطرد ، فإنّ أحدهما لا بدّ أن يكون كاذبا فيلحقه المأثم ، ويتعلّق عليه الإبعاد والطرد من رحمة الله تعالى ورضاه.
فإذا ثبت هذا فثبوت حكمه في الشرع بالكتاب والسنّة والإجماع ، قال الله تعالى : ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلّا أَنْفُسُهُمْ
__________________
(١) الخلاف : كتاب الايمان ، المسألة ٢٦.