وهذا على مذهب من قال : إنّ من باع ملك غيره بغير إذنه ، يكون البيع موقوفا على اختيار صاحبه ، وقد بيّنا فساد ذلك ، وحكينا أنّ شيخنا أبا جعفر رجع عن ذلك في مسائل خلافه (١) ، وهو الحق اليقين.
فإن أمره ببيعه ، ولم يذكر له لا نقدا ولا نسيئة كان (٢) البيع باطلا.
ومن قال بالأوّل قال كان صاحب السلعة بالخيار ، والصحيح ما اخترناه ، لأنّه بيع غير مأمور به ، بل منهي عنه ، والنهي يدل على فساد المنهي عنه.
وكذلك إن قال : بعها نقدا ، فباعها نسيئة ، كان الحكم في ذلك ما ذكرناه ، والخلاف ما صورناه.
فإن قال له : بعضها نسيئة بدراهم معلومة ، فباعها نقدا بدون ذلك ، كان على ما ذكرناه ، والخلاف فيه ما حكيناه.
وإذا اختلف الواسطة وصاحب المتاع ، فقال الواسطة قلت لي : بعه بكذا وكذا ، وقال صاحب المتاع : بل قلت بعه بكذا ، أكثر من الذي قال ، ولم يكن لأحدهما بيّنة على دعواه ، كان القول في ذلك ، قول صاحب المتاع مع يمينه ، وله أن يأخذ المتاع إن وجده بعينه ، وإن كان قد أحدث فيه ما ينقصه ، أو استهلك ، كان صاحبه مخيرا ، بين أن يرجع على أيّهما شاء ، بقيمته أكثر ما كانت إلى يوم الهلاك ، فإن رجع على الواسطة ، لم يكن للواسطة أن يرجع على المشتري ، لأنّه يقول : صاحب المتاع ظلمني ، فكيف يرجع بالظلم على غير الظالم؟ فأمّا إن رجع على المشتري ، فللمشتري أن يرجع على الواسطة ، بمنافعه التي ضمنها ، التي لم يحصل له في مقابلتها نفع ، فأمّا الثمن فلا يرجع عليه به ، لأنّ الإتلاف حصل في يده ، فإن اختلفا في القيمة ، كان القول قول الجاحد لزيادة ما اتفقا عليه ، وهو الواسطة ، أو المشتري ، وصاحبه يدّعي أكثر من ذلك ، فعليه
__________________
(١) الخلاف : كتاب البيع المسألة ٢٧٥.
(٢) ق : فباع نسيئة كان.