كتاب المكاسب
باب عمل السّلطان وأخذ جوائزهم
السلطان على ضربين ، أحدهما سلطان الحق العادل ، والآخر سلطان الجور الظالم المتقلب ، فأمّا الأول فمندوب إلى خدمته ومعاونته ، ومرغب فيها ، وربما وجب ذلك على المكلف ، بأن يدعوه فيجب امتثال أمره ، فإذا ولى هذا السلطان إنسانا ، أمارة ، أو حكما ، أو غير ذلك من ضروب الولايات ، وجب عليه طاعته في ذلك ، وترك الخلاف له فيه ، وجائز قبول جوائزه وصلاته ، وأرزاقه ، وسائغ التصرف في ذلك على كل حال.
وأمّا السلطان الجائر ، فلا يجوز لأحد أن يتولى شيئا من الأمور ، مختارا من قبله ، إلا من يعلم ، أو يغلب على ظنه ، أنّه إذا تولّى ولاية من جهته ، تمكّن من الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وقسمة الأخماس والصدقات الى مستحقيها ، وصلة الاخوان ، ولا يكون في شيء من ذلك تاركا لواجب ، ولا مخلا به ، ولا فاعلا لقبيح ، فإنّه حينئذ مستحب له التعرض لتولي الأمر من جهته ، فإن علم أو ظن أنّه لا يتمكن من ذلك ، وأنّه لا بدّ له من الإخلال بواجب ، أو أن يفعل قبيحا ، لم يجز له تولّي ذلك ، فإن ألزمه السلطان الجائز بالولاية ، إلزاما لا يبلغ تركه الإجابة إلى ذلك ، الخوف على النفس ، وسلب المال ، وإن كان ربما لحقه بعض الضرر ، أو لحقته في ذلك مشقة ، فالأولى أن يتحمل تلك المشقة ، ويتكلّف مضرتها ، ولا يتعرّض للولاية من جهته ، فإن خاف على نفسه ، أو على أحد من أهله ، أو المؤمنين ، أو على ماله ، جاز له أن يتولّى ذلك ، وساغ له عند