لأنّه لا خلاف أن أمير المؤمنين عليهالسلام كان يقضي في المسجد الجامع بالكوفة ، ودكة القضاء معروفة إلى اليوم ، وهي التي في وسط المسجد الجامع ، وهي تسمّى أيضا دكة الطست ، لا يظلها شيء من الظلال.
فأمّا إقامة الحدود فيها فمكروهة.
فإن حكم بحكم ، فإن وافق الحق ، لم يكن لأحد أن يعارضه فيه ، وإن أخطأ ، وجب عليهم أن ينبهوه عليه.
وقال المخالف : ليس لأحد أن يرد عليه ، وإن حكم بالباطل عنده ، لأنّه إذا كان باجتهاده ، وجب عليه العمل به ، ولا يعترض عليه بما هو فرضه ، ولا اجتهاد عندنا ، ولا قياس ، وليس كل مجتهد مصيبا.
وإذا دخل الخصمان عليه ، وجلسا ، وأراد كل واحد منهما الكلام ، ينبغي له أن يأذن للذي سبق بالدعوى ، فإن ادّعيا جميعا في وقت واحد ، فالذي رواه أصحابنا أنّه يأمر من هو على يمين خصمه أن يتكلم ، ويأمر الآخر بالسكوت ، إلى أن يفرغ من دعواه.
وإذا دخل عليه الخصمان ، فلا يبدأ أحدهما بالكلام منفردا ، وذلك على طريق الكراهة ، فإن سلّما ، أو سلم أحدهما ، ردّ السّلام ، دون ما سواه.
ويستحب أن يكون نظره إليهما واحدا ، ومجلسهما بين يديه على السواء ، لا أن ذلك واجب ، على ما يتوهمه من لا بصيرة له بهذا الشأن.
ولا ينبغي للحاكم أن يسأل الخصمين ، والمستحب له تركهما ، حتى يبدأ بالكلام ، فإن صمتا ولم يتكلما (١) ، فله أن يقول لهما حينئذ : إن كنتما حضرتما لشيء فاذكراه فإن بدأ أحدهما بالدعوى ، سمعها ، ثم أقبل على الآخر ، فسأله عما عنده فيما ادّعاه خصمه.
فإن أقرّ به ، ولم يرتب بعقله واختياره ، ألزمه الخروج إليه منه ، بعد سؤال صاحب الحق ، فإن خرج ، وإلا إن كان له مال ظاهر من جنس الحق الذي
__________________
(١) ج : فان صمتا