ومن غصب زيتا فخلطه بأجود منه ، فالغاصب بالخيار بين أن يعطيه من ذلك ، ويلزم المغصوب منه قبوله ، لانه تطوع له بخير من زيته ، وبين أن يعطيه مثله من غيره ، لأنّه صار بالخلط كالمستهلك ، وإن خلطه بأردأ منه ، لزمه أن يعطي من غير ذلك ، مثل الزيت الذي غصبه ، ولا يجوز أن يعطيه منه ، وإن خلطه بمثله ، فهو مثل المسألة الاولى ، إن شاء أعطاه من الزيت المخلوط ، وإن شاء الغاصب أعطاه من غيره ، مثل زيته ، لأنّه كالمستهلك ، وقال بعض أصحابنا : إنّه يكون شريكه ، والأوّل هو الذي تقتضيه أصول المذهب ، لأنّ عين الزيت المغصوب قد استهلكت ، لأنّه لو طالبه بردّه بعينه ، لما قدر على ذلك.
ومن غصب حبا فزرعه ، أو بيضا فاحتضنها ، فالزرع والفرخ لصاحبهما ، دون الغاصب ، لأنّا قد بيّنا أنّ المغصوب لا يدخل في ملك الغاصب بتغيّره ، خلافا لأبي حنيفة ، لأنّه لا يخرج بالغصب عن ملك المغصوب منه ، وإذا كان باقيا على ملك صاحبه ، فنماؤه المنفصل والمتصل جميعا لصاحبه ، وهذا لا خلاف فيه بين أصحابنا ، لأنّه الذي تقتضيه أصولهم ، ويحكم به عدل أهل البيت عليهمالسلام.
واختار شيخنا أبو جعفر الطوسي ، في الجزء الثاني من مسائل خلافه ، مذهب أبي حنيفة ، وقوّاه ، فقال : مسألة : إذا غصب حبا فزرعه ، أو بيضا فاحتضنتها الدجاجة ، فالزرع والفروج للغاصب ، وبه قال أبو حنيفة وقال الشافعي هما معا للمغصوب منه ، وقال المزني : الفروج للمغصوب منه ، والزرع للغاصب ، دليلنا أن عين الغصب قد تلفت ، وإذا تلفت فلا يلزم غير القيمة ، ومن يقول في الفروج هو عين البيض ، وانّ الزرع هو عين الحبّ ، مكابر ، بل المعلوم خلافه ، هذا آخر كلام شيخنا في نصرة خيرته (١).
قال محمّد بن إدريس : إلا تراه رحمهالله لم يستدلّ بإجماع الفرقة ، ولا بالأخبار على عادته ، بل تمسك بشيء لا فرج لمعتمده ، ولو سلّمنا له أنّ الزرع
__________________
(١) الخلاف : كتاب الغصب ، المسألة ٣٠٨.