وسأله ابن الكوّا ما ذو القرنين ، أملك أم نبيّ؟ فقال : «ليس بملك ولا نبيّ ، ولكن كان عبدا صالحا ، ضرب على قرنه الأيمن في طاعة الله فمات ، ثمّ بعثه الله فضرب على قرنه الأيسر فمات ، فبعثه الله فسمّي ذا القرنين ، وفيكم مثله ، أراد نفسه». قيل : كان يدعوهم إلى التوحيد فيقتلونه ، فيحييه الله.
وعن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : «سمّي ذا القرنين ، لأنّه طاف قرني الدنيا ـ يعني : جانبيها ـ شرقها وغربها».
وقيل : له قرنان ، أي : ضفيرتان (١). وقيل : انقرض في وقته قرنان من الناس ، وعن وهب : لأنّه ملك الروم وفارس. وروي : الروم والترك. وعنه : كانت صفحتا رأسه من نحاس. وقيل : كان لتاجه قرنان. وقيل : كان على رأسه ما يشبه القرنين. ويجوز أنه لقّب بذلك لشجاعته ، كما يسمّى الشجاع كبشا ، كأنّه ينطح أقرانه. وكان من الروم ولد عجوز ليس لها ولد غيره.
وعن وهب : أنّه رأى في منامه أنّه دنا من الشمس حتّى أخذ بقرنيها في شرقها وغربها ، فقصّ رؤياه على قومه ، فسمّوه ذا القرنين.
وقيل : لأنّه كريم الطرفين ، من أهل بيت الشرف من قبل أبيه وأمّه. والسائلون هم اليهود كما مرّ ، سألوه امتحانا.
(قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً) خطاب للسائلين ، والهاء لذي القرنين.
(إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ) أي : مكّنّا له أمره من التصرّف فيها كيف شاء ، فحذف المفعول (وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) أراده وتوجّه إليه ، من أغراضه ومقاصده في ملكه (سَبَباً) طريقا موصلا إليه. والسّبب ما يتوصّل به إلى المطلوب ، من العلم والقدرة والآلة.
فلمّا أراد بلوغ المغرب (فَأَتْبَعَ سَبَباً) فأتبع سببا يوصل إليه (حَتَّى إِذا بَلَغَ
__________________
(١) الضفيرة : كل خصلة مما ضفر ـ أي : نسج ـ على حدتها من الشعر.