مَغْرِبَ الشَّمْسِ) موضع غروبها. يعني : نهاية العمارة من جانب المغرب ، لا أنّه بلغ موضع الغروب ، لأنّه لا يصل إليه أحد. (وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ) ذات حمأ ، من : حمئت البئر إذا صارت ذات حمأة (١).
وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر : حامية ، أي : حارّة. ولا تنافي بينهما ، لجواز أن تكون العين جامعة للوصفين.
وعن أبي ذرّ : «كنت رديف رسول الله على جمل فرأى الشمس حين غابت ، فقال : تدري يا أبا ذرّ أين تغرب هذه؟ قلت : الله ورسوله أعلم. قال : فإنّها تغرب في عين حامية».
ولعلّه بلغ ساحل المحيط فرآها كذلك ، إذ لم يكن في مطمح بصره غير الماء ، ولذلك قال : وجدها تغرب ، ولم يقل : كانت تغرب.
وقيل إنّ : ابن عبّاس سمع معاوية يقرأ : حامية ، فقال : حمئة. فبعث معاوية إلى كعب الأحبار كيف تجد الشمس تغرب؟ قال : في ماء وطين ، كذلك نجده في التوراة.
(وَوَجَدَ عِنْدَها) عند تلك العين (قَوْماً) قيل : كان لباسهم جلود الوحش ، وطعامهم ما لفظ البحر ، وكانوا كفّارا ، فخيّره الله بين أن يعذّبهم أو يدعوهم إلى الايمان ، كما حكى بقوله : (قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ) بالقتل على كفرهم (وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً) بالإرشاد وتعليم الشرائع.
وقيل : خيّره الله بين القتل والأسر. وسمّاه إحسانا في مقابلة القتل.
ويؤيّد الأوّل قوله : (قالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً) أي : فاختار الدعوة وقال : أمّا من دعوته فظلم نفسه بالإصرار على كفره ، أو استمرّ على ظلمه الّذي هو الشرك ، فنعذّبه أنا ومن معي في الدنيا بالقتل ، ويعذّبه الله في الآخرة عذابا منكرا لم يعهد مثله.
__________________
(١) الحمأة : الطين الأسود.