إسرائيل ، كان من أولاد هارون بن عمران.
(إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا) دعا ربّه دعاء خفيّا. والإخفاء والجهر وإن كانا سيّان عند الله ، لكن الإخفاء أشدّ إخباتا وأكثر إخلاصا. وفي الحديث : «خير الدعاء الخفيّ ، وخير الرزق ما يكفي».
وقيل : قيّد النداء به لئلّا يهزؤا به على طلب الولد وقت الشيخوخة ، فيقولوا : انظروا إلى الشيخ الهمّ يسأل الولد على الكبر. أو لئلّا يطّلع عليه مواليه الّذين خافهم. أو لأنّ ضعف الهرم أخفى صوته.
واختلف في سنّة حينئذ ، فقيل : ستّون. وقيل : سبعون. وقيل : خمس وسبعون.
وقيل : خمس وثمانون. وقيل : تسع وتسعون.
ثمّ فسّر النداء بقوله : (قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي) أي : ضعف. وتخصيص العظم لأنّه دعامة البدن وقوامه وأصل بنيانه ، فإذا وهن تساقطت قوّته. ولأنّه أصلب ما فيه ، فإذا ضعف كان ما وراءه أضعف. وتوحيده لأنّ الواحد هو الدالّ على معنى الجنس ، وقصده إلى أنّ هذا الجنس الّذي هو العمود والقوام وأشدّ ما تركّب منه الجسد قد أصابه الوهن. ولو جمع لكان يفيد معنى آخر ، وهو أنّه لم يهن منه بعض عظامه ولكن كلّها.
(وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) أدغم أبو عمرو السين في الشين. شبّه الشيب في بياضه وإنارته بشواظ (١) النار ، وانتشاره وفشوّه في الشعر وأخذه منه كلّ مأخذ باشتعالها.
ثمّ أخرجه مخرج الاستعارة ، وأسند الاشتعال إلى الرأس الّذي هو مكان الشيب ومنبته مبالغة. وجعله مميّزا إيضاحا للمقصود. واكتفى باللام عن الإضافة ، للدلالة على أنّ علم المخاطب بتعيّن المراد يغني عن التقييد. ولهذا فصحت هذه الجملة ، وشهد لها بالبلاغة.
(وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِ) بدعائي إيّاك فيما مضى (شَقِيًّا) محروما ، بل كلّما دعوتك استجبت لي. وهو توسّل بما سلف معه من الاستجابة ، وتنبيه على أنّ المدعوّ له
__________________
(١) الشواظ : لهب لا دخان فيه.