متضمّن معنى : أتت.
(فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً) سترا يستر خلفه (فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا) يعني : جبرئيل. سمّاه الله الروح وأضافه إلى نفسه ، لأنّ دينه يحيا به وبوحيه ، أو محبّة له وتقريبا وتشريفا ، كما تقول لحبيبك : أنت روحي. (فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا) فانتصب بين يديها في صورة آدميّ صحيح لم ينتقص من الصورة البشريّة شيء.
وقيل : قعدت في مشرفة (١) للاغتسال من الحيض في يوم شديد البرد ، محتجبة بحائط أو بشيء يسترها ، وكان موضعها المسجد ، فإذا حاضت تحوّلت إلى بيت خالتها ، فإذا طهرت عادت إلى المسجد ، فبينا هي في مغتسلها أتاها جبرئيل متمثّلا بصورة شابّ أمرد ، وضيء الوجه ، جعد الشعر ، سويّ الخلق ، لتستأنس بكلامه ولا تنفر عنه ، ولو بدا لها في الصورة الملكيّة لنفرت ولم تقدر على استماع كلامه ، وكان تمثيله على تلك الصورة الحسنة ابتلاء لها وسبرا (٢) لعفّتها.
قيل : كانت في منزل زوج أختها زكريّا ، ولها محراب على حدة تسكنه ، وكان زكريّا عليهالسلام إذا خرج أغلق عليها الباب ، فتمنّت أن تجد خلوة في الجبل لتفلي (٣) رأسها ، فانشقّ السقف لها فخرجت وجلست في المشرفة وراء الجبل ، فأتاها الملك.
وقيل : قام بين يديها في صورة ترب (٤) لها اسمه يوسف ، من خدم بيت المقدس.
ودلّ على عفافها وورعها أنّها تعوّذت بالله من تلك الصورة الجميلة الفائقة الحسن ، بأن (قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا) أي : إن كان يرجى منك أن تتّقي الله
__________________
(١) أي : في موضع عال مطلّ على غيره. ومشارف الأرض : أعاليها. والواحدة : مشرفة.
(٢) سبر الأمر سبرا : جرّبه واختبره.
(٣) فلى يفلي رأسه أو ثوبه : نقّاهما من القمل.
(٤) الترب : من ولد معك ، وكان على سنّك. وجمعه : أتراب.