أو عطف على «لأهب» على طريقة الالتفات. (آيَةً لِلنَّاسِ) علامة لهم وبرهانا على كمال قدرتنا (وَرَحْمَةً مِنَّا) على العباد يهتدون بإرشاده (وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا) كائنا محتوما تعلّق به قضاء الله في الأزل ، وقدّر وسطر في اللوح. أو كان أمرا حقيقا بأن يقضى ويفعل ، لكونه آية ورحمة.
وفي هذه الآيات دلالة على جواز إظهار المعجزات لغير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، لأنّ من المعلوم أنّ مريم ليست بنبيّة ، وأنّ رؤية الملك على صورة البشر ، وبشارة الملك إيّاها ، وولادتها من غير وطء ، إلى غير ذلك من الآيات الّتي أتاها الله بها ، من أكبر المعجزات. ومن لم يجوّز إظهار المعجزات على غير الأنبياء ، اختلفت أقوالهم في ذلك ، فقال الجبائي وابنه : إنّها معجزات لزكريّا. وقال البلخي : إنّها معجزات لعيسى على وجه الإرهاص (١) والتأسيس لنبوّته.
(فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا (٢٢) فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ قالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا (٢٣) فَناداها مِنْ تَحْتِها أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (٢٤) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا (٢٥) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (٢٦) فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ قالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا (٢٧) يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (٢٨) فَأَشارَتْ إِلَيْهِ قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (٢٩) قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (٣٠) وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا (٣١) وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا (٣٢) وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (٣٣) ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (٣٤))
__________________
(١) أرهص الشيء : أسّسه وأثبته.