تكن هيّأت له المهد.
وعن السدّي : لمّا أشارت إليه غضبوا وقالوا : لسخريّتها بنا أشدّ علينا من زناها.
وروي : أنّه كان يرضع ، فلمّا سمع ذلك ترك الرضاع وأقبل عليهم بوجهه ، واتّكأ على يساره ، وأشار بسبّابته.
ثمّ (قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ) أنطقه الله أوّلا لأنّه أوّل المقامات ، وللردّ على من يزعم ربوبيّته من النصارى (آتانِيَ الْكِتابَ) الإنجيل (وَجَعَلَنِي نَبِيًّا).
(وَجَعَلَنِي مُبارَكاً) نفّاعا معلّما للخير. والتعبير بلفظ الماضي إمّا باعتبار ما سبق في قضائه ، أو بجعل المحقّق وقوعه كالواقع. وعن ابن عبّاس وأكثر المفسّرين : أنّ الله أكمل عقله واستنبأه طفلا. وهو الظاهر. (أَيْنَ ما كُنْتُ) حيث كنت (وَأَوْصانِي) وأمرني (بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ) زكاة المال إن ملكته. أو المراد تطهير النفس عن الرذائل. (ما دُمْتُ حَيًّا) مكلّفا.
(وَبَرًّا بِوالِدَتِي) عطوفا عليها ، مؤدّيا شكرها. عطف على «مباركا». (وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً) متجبّرا متكبّرا (شَقِيًّا) عند الله لفرط تكبّره. والمعنى : إنّي بلطفه وتوفيقه كنت محسنا إلى والدتي ، متواضعا في نفسي ، حتّى لم أكن من الجبابرة والأشقياء.
(وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا) كما هو على يحيى.
والتعريف للعهد ، كقولك : جاءنا رجل ، فكان من فعل الرجل كذا. فالمعنى : أنّ السلام الموجّه إلى يحيى في المواطن الثلاثة موجّه إليّ. والأظهر أنّه للجنس والتعريض باللعن على أعدائه ، فإنّه لمّا جعل جنس السلام على نفسه عرّض بأنّ ضدّه عليهم ، كقوله تعالى :(وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى) (١) فإنّه تعريض بأنّ العذاب على من كذّب وتولّى.
قيل : كلّم عيسى بذلك القول ، ثمّ لم يتكلّم حتّى بلغ مبلغا يتكلّم فيه الصبيان.
(ذلِكَ) أي : الّذي تقدّم نعته هو (عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) لا ما يصفه النصارى. وهو
__________________
(١) طه : ٤٧.