الإخوة ، وبينها وبينه ألف سنة وأكثر.
وقيل : كانت من أولاد هارون. وإنّما قيل : أخت هارون ، كما يقال : يا أخا همدان ، أي : يا واحدا منهم.
وقيل : هو رجل صالح كان في زمانهم شبّهوها به ، أي : كنت عندنا مثله في الصلاح ، ولم ترد إخوة النسب. وهذا مرويّ عن ابن عبّاس وقتادة وكعب وابن زيد والمغيرة ، يرفعه إلى النبيّ.
وقيل : إنّه لمّا مات شيّعه أربعون ألفا كلّهم يسمّى هارون ، تبرّكا به وباسمه. فقال قومها : كنّا نشبّهك بهارون هذا.
وقيل : كان هو رجلا فاسقا مشهورا بالعهر والفساد ، فنسبت إليه ، وقيل لها : يا شبيهته في قبح فعله.
(ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا) تقرير لقولهم : إنّ ما جاءت به فريّ ، وتنبيه على أنّ الفواحش من أولاد الصالحين أفحش.
(فَأَشارَتْ إِلَيْهِ) إلى عيسى ، أي : هو الّذي يجيبكم فكلّموه (قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا) ولم نعهد صبيّا في المهد كلّمه عاقل. و «كان» زائدة. والظرف صلة «من». و «صبيّا» حال من المستكن فيه ، أو تامّة ، أو دائمة ، كقوله تعالى : (وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً) (١). أو بمعنى : صار.
وفي الكشّاف : «كان» لإيقاع مضمون الجملة في زمان ماض مبهم يصلح لقريبه وبعيده. وهو هاهنا لقريبه خاصّة. والدليل عليه مبنى الكلام ، وأنّه مسوق للتعجّب.
ووجه آخر : أن يكون «نكلّم» حكاية حال ماضية ، أي : كيف عهد قبل عيسى أن يكلّم الناس صبيّا في المهد فيما سلف من الزمان حتّى نكلّم هذا؟!» (٢).
وعن قتادة : معناه : صبيّا في الحجر رضيعا. وكان المهد حجر أمّه الّذي تربّيه ، إذ لم
__________________
(١) النساء : ١٧.
(٢) الكشّاف ٣ : ١٥.