قدر أن يثمر النخلة اليابسة في الشتاء ، قدر أن يحبلها من غير فحل.
ولما كان في الرطب من الطعام والشراب رتّب عليه الأمرين ، فقال : (فَكُلِي) من الرطب (وَاشْرَبِي) من عصير الرطب ، أو من ماء السريّ (وَقَرِّي عَيْناً) وطيبي نفسك ، وارفضي عنها ما أحزنك. واشتقاقه من القرار ، فإنّ العين إذا رأت ما تسرّ به النفس سكنت إليه من النظر إلى غيره. أو من القرّ ، فإنّ دمعة السرور باردة ، ودمعة الحزن حارّة ، ولذلك قالوا : قرّة العين للمحبوب ، وسخنتها للمكروه.
وعن الباقر عليهالسلام : «لم تستشف النفساء بمثل الرطب ، لأنّ الله تعالى أطعمه مريم في نفاسها».
وقيل : إذا عسر ولادتها لم يكن لها خير من الرطب.
(فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً) فإن تري آدميّا يسألك عن ولدك (فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً) صمتا ، أي : إمساكا عن الكلام ، أو صياما ، وكانوا لا يتكلّمون في صيامهم. وقد نهى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن صوم الصمت ، فنسخ هذا في شريعته. (فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا) بعد أن أخبرتكم بنذري ، وإنّما أكلّم الملائكة وأناجي ربّي.
وقيل : أخبرتهم بنذرها بالإشارة. والأصحّ أنّه سوّغ لها ذلك بالنطق. وأمرها بذلك لكراهة المجادلة ، وللاكتفاء بكلام عيسى ، فإنّه كاف في قطع الطاعن.
(فَأَتَتْ بِهِ) مع ولدها (قَوْمَها) راجعة إليهم بعد ما طهرت من النفاس (تَحْمِلُهُ) حاملة إيّاه ملفّا بخرقة. حال من الضمير المرفوع في «فأتت» ، أو من الهاء المجرور في «به» ، أو منهما جميعا.
قيل : احتمل يوسف النجّار مريم وابنها إلى غار ، فلبثوا فيه أربعين يوما حتّى سلمت من نفاسها ، ثمّ جاءت تحمله ، فكلّمها عيسى في الطريق ، فقال : يا أمّاه أبشري فإنّي عبد الله ومسيحه ، فلمّا دخلت به على قومها وهم أهل بيت صالحون تباكوا.
(قالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا) بديعا منكرا ، من فري الجلد. يقال : فريت.
الجلد إذا قطعته ، وفريت الشيء ، أي : حززته ، أو من الافتراء ، وهو الكذب.
(يا أُخْتَ هارُونَ) يعنون هارون النبيّ ، وكانت من أعقاب من كان معه في طبقة