وإنّما فرّق سبحانه ذكر نسبهم ، مع أنّ كلّهم كانوا من ذرّيّة آدم ، لتبيان مراتبهم في شرف النسب ، فإنّه كان لإدريس شرف القرب لآدم ، لأنّه جدّ نوح عليهالسلام. وكان إبراهيم من ذرّيّة من حمل مع نوح ، كما ذكر آنفا. وكان إسماعيل وإسحاق ويعقوب من ذرّيّة إبراهيم ، فلمّا تباعدوا من آدم حصل لهم شرف إبراهيم. وكذلك كان موسى وهارون وزكريّا ويحيى وعيسى من ذرّيّة إسرائيل. وفيه دليل على أنّ أولاد البنات من الذرّيّة ، فإنّ مريم من ذرّيّة إسرائيل.
(وَمِمَّنْ هَدَيْنا) عطف على «من» الأولى أو الثانية ، أي : هؤلاء من جملة من أرشدناه إلى الحقّ (وَاجْتَبَيْنا) للنبوّة والكرامة (إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ) من كتبه السماويّة (خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا) خبر لـ «أولئك» إن جعل الموصول صفة ، واستئناف إن جعل خبرا ، لبيان أنّهم مع جلالة قدرهم وشرف نسبهم وكمال أنفسهم وزلفاهم من الله تعالى ، كانوا يبكون عند ذكر آيات الله مخبتين خاشعين ، وهؤلاء العصاة ساهون لاهون مع إحاطة السيّئات بهم.
والبكيّ جمع باك ، كالسجود جمع ساجد. وقرأ حمزة والكسائي : بكيّا بكسر الباء.
روي عن عليّ بن الحسين عليهالسلام أنّه قال : «نحن عنينا بهذه الآية».
ويؤيّده ما روي عن ابن عبّاس : أنّ المراد من آيات الرحمن هاهنا القرآن. وعن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : «أتلوا القرآن وابكوا ، فإن لم تبكوا فتباكوا».
وعن صالح المرّي : قرأت القرآن على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في المنام ، فقال لي : يا صالح هذه القراءة ، فأين البكاء؟!
وعن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إنّ القرآن نزل بحزن ، فإذا قرأتموه فتحازنوا».
وعن ابن عبّاس : إذا قرأتم سجدة سبحان فلا تعجلوا بالسجود حتّى تبكوا ، فإن لم تبك عين أحدكم فليبك قلبه.