ثمّ قصّ سبحانه على نبيّه قصّة موسى ، ليأتمّ به في تحمّل أعباء النبوّة وتبليغ الرسالة ، والصبر على مقاساة الشدائد ، ويكون تسلية له ممّا ناله من أذى قومه ، وتثبيتا له بالصبر على أمر ربّه في تأدية أحكامه ، فإنّ هذه السورة من أوائل ما نزل ، كما صبر موسى عليهالسلام في أذيّة بني إسرائيل بسبب تبليغه أحكام الله تعالى ، فقال : (وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى) هذا ابتداء إخبار من الله تعالى على وجه التحقيق ، إذ لم يبلغه حديث موسى ، فهو كما يخبر الإنسان غيره بخبر على وجه التحقيق ، فيقول : هل سمعت بخبر فلان؟ وقيل : إنّه استفهام تقرير بمعنى الخبر ، أي : وقد أتاك حديث موسى.
(إِذْ رَأى ناراً) ظرف للحديث ، لأنّه حدث. أو لمضمر : أي : حين رأى نارا كان كيت وكيت. أو مفعول لـ : اذكر.
عن ابن عبّاس : لمّا قضى موسى الأجل ، واستأذن شعيبا عليهالسلام في الخروج إلى أمّه ، وأخرج أهله ، وفارق مدين ومعه غنم له. وكان أهله على أتان ، وعلى ظهرها جوالق فيها أثاث البيت ، وكان رجلا غيورا لا يصحب الرفقة لئلّا ترى امرأته. فأضلّ الطريق في ليلة شاتية مظلمة مثلجة ، وكانت ليلة الجمعة ، وتفرّقت ماشيته ، ولم ينقدح زنده (١) ، وامرأته في الطلق ، فولد له منها ابن في الظلمة. فرأى نارا من بعيد كانت عند الله نورا ، وعند موسى نارا (فَقالَ) عند ذلك (لِأَهْلِهِ) لزوجته ، وهي بنت شعيب كان تزوّجها بمدين وخدمه (امْكُثُوا) الزموا مكانكم. والفرق بين المكث والإقامة : أنّ الإقامة تدوم ، والمكث لا يدوم.
وقرأ حمزة : لأهله امكثوا ، هنا وفي القصص (٢) ، بضمّ الهاء في الوصل. والباقون بكسرها فيه.
__________________
(١) الزند : العود الذي يقتدح به النار. يقال : زند النار ، أي : قدحها وأخرجها من الزند.
(٢) القصص : ٢٩.