الواجب طاعة الوالدين على كلّ حال ـ لأنّ الحاجة أكثر في تلك الحال إلى التعهّد والخدمة.
(فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ) فلا تتضجّر ممّا تستقذر منهما ، وتستثقل من مؤونتهما. وهو صوت يدلّ على تضجّر. وقيل : اسم الفعل الّذي هو : أتضجّر. وبني على الكسر لالتقاء الساكنين. وتنوينه في قراءة نافع وحفص للتنكير. وقرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب بالفتح على التخفيف. والنهي عن ذلك يدلّ على المنع من سائر أنواع الإيذاء قياسا بطريق الأولى. وهذا هو القياس المنصوص العلّة. وقيل : عرفا ، كقولك : فلان لا يملك النقير (١) والقطمير.
ولقد بالغ سبحانه في التوصية بالوالدين ، حيث افتتحها بأن شفّع الإحسان إليهما بتوحيده ، ونظمهما في سلك القضاء بهما معا ، ثمّ ضيّق الأمر في مراعاتهما ، حتّى لم يرخّص في أدنى كلمة تنفلت من المتضجّر ، مع موجبات الضجر ومقتضياته ، ومع أحوال لا يكاد يدخل صبر الإنسان معها في الاستطاعة.
ثمّ قال : (وَلا تَنْهَرْهُما) ولا تزجرهما عمّا يفعلانه بإغلاظ وصياح. وقيل : معناه : ولا تمتنع من شيء أراداه منك ، مثل قوله : (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ) (٢). وقيل : النهي والنهر والنهم أخوات. (وَقُلْ لَهُما) بدل التأفيف والنهر (قَوْلاً كَرِيماً) جميلا ، كما يقتضيه حسن الأدب والنزول على المروءة ، وهو أن تقول : يا أبتاه يا أمّاه ، ولا تدعوهما بأسمائهما ، فإنّه من سوء الأدب وعادة الدعّار (٣).
وعن سعيد بن المسيّب : معناه : قل لهما قول العبد المذنب للسيّد الفظّ الغليظ.
وعن مجاهد : معنى الآية : إن بلغا عندك من الكبر ما يبولان ويحدثان ، فلا
__________________
(١) أي : لا يملك شيئا.
(٢) الضحى : ١٠.
(٣) الدعّار جمع الداعر ، وهو الخبيث المفسد الفاسق.