أهمّ ما يجب على المفسّر.
(يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ) جواب «فليلقه». وتكرير «عدوّ» للمبالغة أو لأنّ الأوّل باعتبار الواقع والثاني باعتبار المتوقّع.
روي أنّها جعلت في التابوت قطنا محلوجا ، فوضعته فيه ، وجصّصته وقيّرته ، ثمّ ألقته في اليمّ. وكان يشرع منه إلى بستان فرعون نهر كبير ، فدفعه الماء إليه ، فأدّاه إلى بركة في البستان. وكان فرعون جالسا على رأس بركة مع آسية بنت مزاحم ، فأمر به فأخرج ، ففتح فإذا صبيّ أصبح الناس وجها ، فأحبّه حبّا شديدا لا يتمالك أن يصبر عنه ، كما قال : (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي) أي : محبّة كائنة منّي قد ركزتها أنا في القلوب وزرعتها فيها ، بحيث لا يكاد يصبر عنك من رآك ، فلذلك أحبّك فرعون.
وروي أنّه كانت على وجهه مسحة جمال ، وفي عينيه ملاحة ، لا يكاد يصبر عنه من رآه.
ويجوز أن يتعلّق «منّي» بـ «ألقيت» أي : أحببتك ، ومن أحبّه الله أحبّته القلوب.
وظاهر اللفظ على أنّ البحر ألقاه بساحله ـ وهو شاطئه ، لأنّ الماء يسحل (١) موسى ـ وقذف به ثمّة ، فالتقط من الساحل ، إلّا أنّه قد ألقاه اليمّ بموضع من الساحل فيه فوهة (٢) نهر فرعون ، ثمّ أدّاه النهر إلى حيث البركة.
(وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي) ولتربّى بمرأى منّي ، ويحسن إليك وأنا مراعيك ومراقبك ، كما يراعي الرجل الشيء بعينيه إذا اعتنى به ، وتقول للصانع : اصنع هذا على عيني أنظر إليك لئلّا تخالف به مرادي وبغيتي. والعطف على علّة مضمرة ، مثل : ليتعطّف عليك. أو على الجملة السابقة بإضمار فعل معلّل ، مثل : ولتصنع فعلت ذلك.
(إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ) ظرف لـ «ألقيت» أو «لتصنع». أو بدل من «إذ أوحينا» على أنّ
__________________
(١) أي : يقشره.
(٢) الفوهة والفوّهة من الوادي والطريق : فمها.