المراد بها وقت متّسع ، كما يصحّ ـ وإن اتّسع الوقت وتباعد طرفاه ـ أن يقول لك الرجل : لقيت فلانا سنة كذا ، فتقول : وأنا لقيته في ذلك الوقت ، وربّما لقيه هو في أوّلها وأنت في آخرها.
(فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ) وذلك أنّ أخته ـ واسمها مريم ـ جاءت متعرّفة خبره ، فصادفتهم يطلبون له مرضعة يقبل ثديها ، وكان لا يقبل ثدي امرأة. فقالت :هل أدلّكم على امرأة تربّيه وترضعه؟ فقالوا : نعم. فجاءت بالأمّ ، فقبل ثديها. ويروى أنّ آسية استوهبته من فرعون وتبنّته ، وهي الّتي أشفقت عليه وطلبت له المراضع.
(فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ) وفاء بقولنا : (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ)(كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها) بلقائك (وَلا تَحْزَنَ) هي بفراقك وخوف غرقك. أو أنت على فراقها وفقد إشفاقها.
(وَقَتَلْتَ نَفْساً) هي نفس القبطي الّذي استغاثه عليه الاسرائيلي ، فقتله وهو ابن اثنتي عشرة سنة (فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِ) من غمّ قتله خوفا من الاقتصاص ، بأن نأمرك بالهجرة إلى مدين (وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً) مصدر على فعول ، كالثبور والشكور والكفور ، أي : ابتليناك ابتلاء. أو جمع فتن أو فتنة ، على ترك الاعتداد بتاء التأنيث ، كحجوز وبدور ، في حجزة وبدرة.
والمعنى : فتنّاك أنواعا من الفتن ، فخلّصناك مرّة بعد اخرى. وهو إجمال لما ناله في سفره من الهجرة عن الوطن ، ومفارقة الالّاف (١) ، والمشي راجلا على حذر ، وفقد الزاد ، وأجر نفسه ، إلى غير ذلك.
روي أنّه سأل سعيد بن جبير ابن عبّاس فقال : خلّصناك من محنة بعد محنة ، فإنّه ولد في عام كان يقتل فيه الولدان. فهذه فتنة يا ابن جبير. وألقته أمّه في البحر. وهمّ فرعون بقتله. وقتل قبطيّا. وأجر نفسه عشر سنين. وضلّ الطريق ، وتفرّقت غنمه في ليلة مظلمة.
وكان ابن عبّاس يقول عند كلّ واحدة : فهذه فتنة يا ابن جبير. والفتنة : المحنة ، وكلّ ما
__________________
(١) الالّاف جمع آلف ، وهو الصديق والمؤانس.