شرّه عنكما ، ويوجب نصرتي لكما. وهذا مثل قوله : (فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما) (١). ويجوز أن لا يقدّر المفعول ، على معنى : إنّني حافظكما سامعا مبصرا. والحافظ إذا كان قادرا سميعا بصيرا تمّ الحفظ ، وصحّت النصرة ، وذهبت المبالاة بالعدوّ.
(فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ) فأطلق (مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ) وأعتقهم عن الاستعباد (وَلا تُعَذِّبْهُمْ) بالتكاليف الصعبة ، من الحفر والبناء ونقل الحجارة ونظائرها ، وقتل الولدان ، فإنّهم كانوا في أيدي القبط يستخدمونهم ويتعبونهم في العمل ، ويقتلون ذكور أولادهم في عام دون عام. وتعقيب الإتيان بذلك دليل على أنّ تخليص المؤمنين من الكفرة أهمّ من دعوتهم إلى الإيمان. ويجوز أن يكون للتدريج في الدعوة.
(قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ) بدلالة واضحة ، ومعجزة لائحة (مِنْ رَبِّكَ) تشهد لنا بالنبوّة.
وهذه جملة مقرّرة لما تضمّنه الكلام السابق من دعوى الرسالة ، فإنّ دعواها لا تثبت إلّا ببيّنتها. وإنّما وحّد الآية وكان معه آيتان ، لأنّ المراد في هذا الموضع إثبات الدعوى ببرهانها ، لا الإشارة إلى وحدة الحجّة ، فكأنّه قال : قد جئناك بمعجزة وبرهان وحجّة على ما ادّعيناه من الرسالة. وكذلك قوله : (قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) (٢). (فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) (٣). (أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ) (٤).
(وَالسَّلامُ) وسلام الملائكة الّذين هم خزنة الجنّة (عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى) على المهتدين. أو السلامة في الدارين لهم.
ولمّا كان التهديد في أوّل الأمر أهمّ وأنجع ، وبالواقع أليق وأنفع ، غيّر النظم وصرّح بالوعيد ، وقال تأكيدا فيه : (إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ) عذاب الدارين (عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) على المكذّبين للرسل ، والمعرضين عنهم.
__________________
(١) القصص : ٣٥.
(٢) الأعراف : ١٠٥. (٣ ، ٤) الشعراء : ١٥٤ و ٣٠.