وتخصيص الضحو من بين ساعات النهار ، لأنّ ذلك الوقت أضوؤها وأبينها ، فيرى الناس المعجزة الموسويّة وغلبتها على الشوكة الفرعونيّة على أوضح وجه ، فيكون أبلغ في الحجّة ، وأبعد في الشبهة.
(فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ) انصرف وفارق موسى على هذا الوجه (فَجَمَعَ كَيْدَهُ) ما يكاد به ، يعني : السحرة وآلاتهم وأدواتهم (ثُمَّ أَتى) أي : حضر الموعد.
(قالَ لَهُمْ مُوسى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللهِ كَذِباً) بأن تدعوا آياته سحرا (فَيُسْحِتَكُمْ) فيهلككم ويستأصلكم (بِعَذابٍ).
وقرأ حمزة والكسائي وحفص ويعقوب برواية ورش بالضمّ ، من الإسحات. وهو لغة نجد وبني تميم. والسحت لغة الحجاز. يقال. سحته الله وأسحته إذا استأصله وأهلكه.
(وَقَدْ خابَ) خسر (مَنِ افْتَرى) من كذب على الله ونسب إليه باطلا ، كما خاب فرعون ، فإنّه افترى واحتال ليبقى الملك عليه فلم ينفعه.
(فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ) أي : تنازعت السحرة في أمر موسى حين سمعوا كلامه ، فقال بعضهم : ليس هذا من كلام السحرة (وَأَسَرُّوا النَّجْوى) بأنّ موسى إن غلبنا اتّبعناه. وعن قتادة : إن كان ساحرا فسنغلبه ، وإن كان من السماء فله أمر. وعن وهب : لمّا قال : «ويلكم ...» الآية قالوا : ما هذا بقول ساحر. وقيل : تنازعوا واختلفوا فيما يعارضون به موسى وتشاوروا في السرّ. وقيل : الضمير لفرعون وقومه. والمعنى : أنّهم تشاوروا في السرّ ، وتجاذبوا أهداب (١) القول.
وقوله : (قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) تفسير لـ (أَسَرُّوا النَّجْوى) أي : كانت نجواهم في تلفيق هذا الكلام خوفا من غلبتهما ، وتثبيطا للناس عن اتّباعهما. وعلى الأوّل معناه : قال السحرة لفرعون : إن هذان لساحران ، أو قاله بعضهم لبعض.
و «هذان» اسم «إن» على لغة بني حارث بن كعب ، فإنّهم جعلوا الألف للتثنية ،
__________________
(١) أي : وجوه القول ، استعارة من هدب الشجرة أي : طول أغصانها وتدلّيها ، وجمعه : أهداب.