(حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى) وهذا الجواب يؤيّد الوجه الأوّل.
فاعتزلهم هارون في اثني عشر ألفا. فلمّا رجع موسى وهو ممتلئ غيظا منهم ومن عبادتهم العجل ، وسمع الصياح ، إذ كانوا يرقصون حول العجل ويضربون الدفوف والمزامير ، فلمّا سمع موسى منهم ما سمع ألقى الألواح وأخذ يعاتب هارون (قالَ يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا) بعبادة العجل (أَلَّا تَتَّبِعَنِ) أن تتّبعني في الغضب لله ، وشدّة زجرهم عن الكفر ، ومقاتلتهم. أو أن تأتي عقبي وتلحقني. و «لا» مزيدة ، كما في قوله : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ) (١).
(أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي) بالصلابة في الدين ، والمحاماة عليه ، وإصلاحهم. يريد به قوله : (اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ) (٢).
هذا في صورة الاستفهام ، والمراد به التقرير والفرض ، لأنّ موسى عليهالسلام كان يعلم أنّ هارون نقيّ الجيب من الذنوب ، بريء الساحة من العيوب ، فلا يعصيه في أمره.
ولمّا كان موسى رجلا حديدا ، شديد الغضب لله ولدينه ، مجبولا على الحدّة والخشونة والتصلّب في ذات الله ، لم يتمالك حين رأى القوم يعبدون العجل ـ بعد رؤيتهم المعجزات والآيات ـ أن ألقى الألواح ، لما غلب ذهنه من الدهشة العظيمة ، لفرط غضبه لله وحميّة لدينه ، وعنّف بأخيه وخليفته على قومه ، فأقبل عليه إقبال العدوّ المجاهر بالعداوة ، قابضا على شعر رأسه ، إذ أجراه مجرى نفسه إذا غضب في القبض على شعر رأسه ووجهه ، ولذلك أخذ رأس أخيه يجرّه إليه ، كما أنّ من صدر من قومه وأهله شيء قبيح مستهجن غاية القبح والاستهجان ، فعل ذلك وإن كان صديقا محبّا له غاية الصداقة والمحبّة.
(قالَ يَا بْنَ أُمَ) قال هارون لموسى : يا ابن أمّ. خصّ الأمّ ـ وإن كان من الأب والأمّ ـ استعطافا وترقيقا ، ليسكن شدّة غضبه. (لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي) أي : بشعر
__________________
(١) الأعراف : ١٢ و ١٤٢.
(٢) الأعراف : ١٢ و ١٤٢.