رأسي. يعني : لا تقبض عليهما ، واسكن عن شدّة الغضب.
(إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ) أي : لو قاتلت أو فارقت بعضهم ببعض لتفرّقوا فرقا. ففريق يلحقون بك معي ، وفريق يقيمون مع السامريّ على عبادة العجل ، وفريق يتوقّفون شاكّين في أمره. مع أنّي لم آمن إن تركتهم أن يصيروا بالخلاف إلى تسافك الدماء ، وشدّة التصميم والثبات على اتّباع السامريّ ، فتقول عتابا : فرّقت بينهم.
(وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي) لم تعمل بوصيّتي ولم تحفظها حين قلت : اخلفني في قومي وأصلح ، فإنّ الإصلاح كان في حفظ الدهماء وحقن الدماء والمداراة لهم إلى أن ترجع إليهم ، فتتدارك الأمر برأيك.
وقال القاضي النيشابوري : للشيعة في هذا المقام مباحث مع الطائفة الضالّة بهذا الكلام «قال أهل السنّة هاهنا : إنّ الشيعة تمسّكوا بقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى.
ثمّ إنّ هارون ما منعته التقيّة في مثل هذا الجمع ، بل صعد المنبر وصرّح بالحقّ ، ودعا الناس إلى متابعته ، فلو كانت أمّة محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم على الخطأ لكان يجب على عليّ أن يفعل ما فعل هارون من غير تقيّة وخوف.
وللشيعة أن يقولوا : إنّ هارون صرّح بالحقّ ، ثمّ خاف وسكت ، ولهذا عاتبه موسى بما عاتب ، فاعتذر بـ (إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي) (١). وهكذا عليّ عليهالسلام امتنع أوّلا من البيعة ، فلمّا آل الأمر إلى ما آل أعطاهم ما سألوا» (٢). انتهى كلامه.
وما أحسن إنصافه ومقاله ، وإن ذيّله بقوله : وإنّما قلت هذا على سبيل البحث لا لأجل التعصّب.
وتفصيل هذا المجمل ذكره ابن أبي الحديد ، وهو أيضا من أعيان أهل السنّة في
__________________
(١) الأعراف : ١٥٠.
(٢) تفسير غرائب القرآن للنيسابوري ٤ : ٥٦٧.