علموا منه.
(وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ) ذلّت وخضعت له في عبادته خضوع الأسير في يد الملك القهّار. وظاهرها يقتضي العموم.
وقيل : المراد بالوجوه الرؤساء والقادة والملوك ، أي : يذلّون وينسلخون عن ملكهم وعزّهم.
ويجوز أن يراد بها وجوه المجرمين ، فإنّهم إذا عاينوا ـ يوم القيامة ـ الخيبة والشقوة وسوء الحساب صارت وجوههم عانية ، أي : ذليلة خاشعة مثل وجوه العناة ، وهم الأسارى. ونحوه قوله تعالى : (فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) (١).
(وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ) (٢). وعلى هذا يكون اللام بدل الاضافة. وإنّما أسند الفعل إلى الوجوه ، لأنّ أثر الذلّ يظهر عليها. وحقيقة المعنى : خضع أرباب الوجوه ، واستسلموا لحكم الّذي لم يمت ولا يموت.
ويؤيّد الأخير ذكر الوعيد عقيبه بقوله : (وَقَدْ خابَ) عن ثواب الله (مَنْ حَمَلَ ظُلْماً) شركا أو ظلما على العباد. وهذا استئناف لبيان ما لأجله عنت وجوههم ، أو حال.
(وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ) يعني : بعض الطاعات (وَهُوَ مُؤْمِنٌ) إذ الإيمان شرط في صحّة الطاعات وقبول الخيرات (فَلا يَخافُ ظُلْماً) منع ثواب مستحقّ بالوعد (وَلا هَضْماً) ولا كسرا منه بنقصان ، فإنّ الظلم أن تأخذ من صاحبك فوق حقّك ، أو تمنع من حقّه ، والهضم أن تكسر من حقّ أخيك فلا توفيه له.
وقيل : لا يخاف أن يؤخذ بذنب لم يعمله ، ولا أن تبطل حسنة عملها.
وقيل : المراد جزاء ظلم وهضم ، لأنّه لم يظلم غيره ، ولم يهضم حقّه.
وقرأ ابن كثير : فلا يخف على النهي. والمعنى : فليأمن من الظلم والهضم.
__________________
(١) الملك : ٢٧.
(٢) القيامة : ٢٤.