(فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ) فأنهى إليه الوسوسة ، فإنّ وسوسة الشيطان كولولة الثكلى ووعوعة الذئب ووقوقة الدجاجة ، في أنّها حكايات للأصوات ، وحكمها حكم : صوّت وأجرس. فإذا قلت : وسوس له ، فمعناه : لأجله. وإذا قلت : وسوس إليه ، معناه : أنهى إليه الوسوسة ، كقولك : حدّث إليه ، وأسرّ إليه. وكذلك الولولة والوقوقة والوعوعة.
(قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ) الشجرة الّتي من أكل منها خلد ولم يمت أصلا. فأضافها إلى الخلد ـ وهو الخلود ـ لأنّها سببه بزعم الشيطان. (وَمُلْكٍ لا يَبْلى) لا يزول ولا يضعف.
(فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما) فظهرت لهما عوراتهما (وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ) أخذا يلزقان الورق على سوآتهما للتستّر. وهو ورق التين.
وحكم «طفق» حكم «كاد» في وقوع الخبر فعلا مضارعا. وبينهما مسافة قصيرة ، فإنّ «طفق» للشروع في أوّل الأمر ، و «كاد» لمشارفته والدنوّ منه.
قيل : كان الورق مدوّرا ، فصار على هذا الشكل من تحت أصابعهما. وقيل : كان لباسهما الظفر ، فلمّا أصابا الخطيئة نزع عنهما ، وتركت هذه البقايا في أطراف الأصابع.
(وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ) بأكل الشجرة ، أي : خالف ما أمره به ربّه. والمعصية مخالفة الأمر ، سواء كان الأمر واجبا أو ندبا. (فَغَوى) أي : خاب من الثواب الّذي كان يستحقّه على الفعل المأمور به. أو خاب ممّا كان يطمع فيه بأكل الشجرة من الخلود. أو عن المأمور به. أو عن الرشد ، حيث اغترّ بقول العدوّ. وفي إسناد العصيان والغواية إليه ، مع صغر زلّته الّتي هي ترك الأولى ، تعظيم للزلّة ، وزجر لأولاده عنها.
وعن ابن عبّاس : لا شبهة في أنّ آدم عليهالسلام لم يمتثل ما رسم الله له ، وتخطّى فيه ساحة الطاعة ـ يعني : الطاعة المندوبة ـ وذلك هو العصيان.
ولمّا عصى خرج فعله من أن يكون رشدا وخيرا ، وكان غيّا لا محالة ، لأنّ الغيّ خلاف الرشد ، ولكن في قوله : (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى) بهذا الإطلاق وبهذا التصريح ـ