واعلم أنّه سبحانه لمّا ختم سورة طه بذكر الوعيد ، افتتح هذه السورة بذكر القيامة ، فقال : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ) اقتربه بالإضافة إلى ما مضى ، لأنّ ما بقي من الدنيا أقصر وأقلّ ممّا سلف منها ، بدليل انبعاث خاتم النبيّين صلىاللهعليهوآلهوسلم الموعود مبعثه في آخر الزمان. وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «بعثت في نسم الساعة» أي : أوّلها. وقال أيضا : «بعثت أنا والساعة كهاتين» وأشار إلى إصبعيه. ومن خطبة أمير المؤمنين عليهالسلام : «ولّت الدنيا حذّاء ، ولم تبق إلّا صبابة كصبابة الإناء» (١).
وإذا كانت بقيّة الشيء ـ وإن كثرت في نفسها ـ قليلة بالإضافة إلى معظمه ، كانت خليفة بأن توصف بالقلّة.
أو المراد اقترابه عند الله ، لقوله تعالى : (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَراهُ قَرِيباً) (٢).
وقوله : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) (٣). أو لأنّ كلّ ما هو آت قريب ، وإنّما البعيد ما انقرض ومضى.
والمراد اقتراب الساعة ، وإذا اقتربت فقد اقترب ما فيها من الحساب والثواب والعقاب ، وغير ذلك. ونحوه : (وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُ) (٤).
واللام صلة لـ «اقترب». أو تأكيد لإضافة الحساب إليهم. وأصله : اقترب حساب الناس ، ثم اقترب للناس الحساب ، ثمّ اقترب للناس حسابهم ، كقولك : أزف (٥) للحيّ رحيلهم. الأصل : أزف رحيل الحيّ ، ثمّ أزف للحيّ الرحيل ، ثمّ أزف للحيّ رحيلهم.
ومنه قولهم : لا أبالك ، لأنّ اللام مؤكّدة لمعنى الإضافة. وهذا الوجه أغرب من أن يكون للصلة.
__________________
(١) نهج البلاغة (محمد عبده) ٩٣. والحذّاء : الماضية السريعة.
(٢) المعارج : ٦ ـ ٧.
(٣) الحجّ : ٤٧.
(٤) الأنبياء : ٩٧.
(٥) أي : اقترب.