(خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ) كأنّه قيل : ليس ببدع منكم أن تستعجلوا العذاب ، فإنّ إفراط العجلة من الإنسان ، وقلّة تأنّيه في الأمور ، على وجه كأنّه خلق منه. وهذا كقولك : خلق زيد من الكرم ، فجعل ما لا ينفكّ عنه إلّا نادرا بمنزلة المطبوع منه ، مبالغة في لزومه. ومن عجلته مبادرته إلى الكفر واستعجال الوعيد.
(سَأُرِيكُمْ آياتِي) نقماتي في الدنيا ، كوقعة بدر ، وفي الآخرة عذاب النار (فَلا تَسْتَعْجِلُونِ) بالإتيان بها.
وعلى ما فسّرنا ؛ لا يرد أنّ ذلك من باب تكليف ما لا يطاق ، لأنّ النهي متعلّق بما هو مخلوق ومجبول في الإنسان. سلّمنا أنّه مجبول ومطبوع ، لكن ذلك لا يستلزم التكليف بالمحال ، لأنّه من قبيل أنّه سبحانه ركّب فيه الشهوة وأمره أن يغلبها. ولا شبهة أنّه لا يستلزم التكليف بالمحال ، لأنّه أعطاه القدرة الّتي يستطيع بها قمع الشهوة وترك العجلة.
وعن ابن عبّاس : أنّه أراد بالإنسان آدم ، وأنّه حين بلغ الروح شراسيف (١) صدره ، أراد أن يقوم فلم يتمكّن منه.
وروي : أنّه لمّا دخل الروح في عينه نظر إلى ثمار الجنّة ، ولمّا دخل جوفه اشتهى الطعام.
وقيل : خلقه الله في آخر النهار يوم الجمعة ، قبل غروب الشمس. فأسرع في خلقه قبل مغيبها.
وقيل : العجل الطين ، بلغة حمير. وقال شاعرهم : والنخل ينبت بين الماء والعجل (٢). فالمعنى : خلق آدم من طين.
(وَيَقُولُونَ) إنكارا واستبعادا (مَتى هذَا الْوَعْدُ) وقت وعد العذاب ، أو القيامة
__________________
(١) شراسيف جمع شرسوف ، وهو طرف الضلع المشرف على البطن.
(٢) صدره : النبع في الصخرة الصمّاء منبته