فلمّا ألقمهم الحجر ، وأخذ بمخانقهم ، وحاروا عن جوابه (فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ) وراجعوا عقولهم (فَقالُوا) فقال بعضهم لبعض (إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ) على الحقيقة بهذا السؤال ، أو بعبادة من لا ينطق ولا يضرّ ولا ينفع ، لا من ظلمتموه بقولكم : من فعل بهذا بآلهتنا إنّه لمن الظالمين.
(ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ) النكس : القلب. تقول : نكسته أي : قلبته ، فجعلت أسفله أعلاه. وانتكس : انقلب.
والمعنى : استقاموا اوّلا حين رجعوا إلى أنفسهم وجاؤا بالفكرة الصالحة ، ثمّ انتكسوا وانقلبوا عن تلك الحالة ، فأخذوا في المجادلة بالباطل والمكابرة. فشبّه عودهم إلى الباطل بصيرورة أسفل الشيء مستعليا على أعلاه. فقالوا جدالا : (لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ) فكيف تأمر بسؤالها؟! أو قلبوا على رؤوسهم حقيقة ، لفرط إطراقهم خجلا وانكسارا وانخزالا (١) ممّا بهتهم به إبراهيم عليهالسلام. فما أحاروا جوابا إلّا ما هو حجّة عليهم ، لأنّهم نفوا عن آلهتهم القدرة على النطق ، واعترفوا بأنّها ـ مع تقاصر حالها عن حال الحيوان الناطق ـ آلهة معبودة.
(قالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ (٦٦) أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٦٧) قالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (٦٨) قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ (٦٩) وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ (٧٠) وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً
__________________
(١) أي : انقطاعا.