روي أنّهم حين همّوا بإحراقه حبسوه ، ثمّ بنوا بيتا كالحظيرة بكوثى (١) ، وجمعوا شهرا أصناف الخشب الصلاب ، حتّى إن كانت المرأة لتمرض فتقول : إن عوفيت لأجمعنّ حطبا لإبراهيم. ثمّ أشعلوا نارا عظيمة كادت الطير تحترق في الجوّ من وهجها (٢). ولمّا أرادوا أن يلقوا إبراهيم في النار لم يدروا كيف يلقونه ، فجاء إبليس فدلّهم على المنجنيق ، وهو أوّل منجنيق صنعت ، فوضعوه فيها مقيّدا مغلولا ، فرموا به فيها.
فناداه جبرئيل حين أشرف على النار : يا إبراهيم هل لك حاجة؟
فقال : أمّا إليك فلا.
فقال : فسل ربّك.
قال : حسبي من سؤالي علمه بحالي.
فببركة هذا القول (قُلْنا) بواسطة جبرئيل (يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً) ذات برد وسلام (عَلى إِبْراهِيمَ) أي : ابردي بردا غير ضارّ.
وفيه مبالغات : جعل النار المسجّرة مسخّرة لقدرته ، مأمورة مطيعة له ، وإقامة : كوني ذات برد ، مقام : ابردي ، ثمّ حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه.
وعن ابن عبّاس : لو لم يقل ذلك لأهلكته ببردها.
وقيل : نصب «سلاما» بفعله ، أي : وسلّمنا سلاما عليه.
وعن ابن عبّاس : إنّما نجا إبراهيم بقوله : حسبي الله ونعم الوكيل.
وعن الصادق عليهالسلام أنّه قال : «يا الله ، يا واحد ، يا أحد ، يا صمد ، يا من لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد. فحسرت النار عنه».
روي : أنّه لما ادني إبراهيم عليهالسلام إلى حظيرة النار ، جعلها الله روضة لم يحترق منه إلّا وثاقه (٣).
__________________
(١) كوثى : محلّة بالعراق ، ومحلّة بمكّة لبني عبد الدار. القاموس ١ : ١٧٣.
(٢) وهج النار : اتّقادها ، أو حرّها من بعيد.
(٣) الوثاق : ما يشدّ به من قيد وحبل ونحوهما.