وروى الواحدي بالإسناد مرفوعا إلى أنس بن مالك ، عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «إنّ نمروذ الجبّار لمّا ألقى إبراهيم في النار ، أتى إليه جبرئيل بقميص من الجنّة ، وطنفسة (١) من الجنّة ، فألبسه القميص ، وأقعده على الطنفسة ، وقعد معه يحدّثه» (٢).
روي : أنّ نمرود اطّلع عليه من الصرح فإذا هو في روضة خضراء ، ومعه جليس له من الملائكة ، فقال : عظيم ربّك يا إبراهيم ، إنّي مقرّب إلى إلهك ، فذبح أربعة آلاف بقرة ، وكفّ عن إبراهيم. وكان إبراهيم إذ ذاك ابن ستّ عشرة سنة.
وانقلاب النار هواء طيّبا ليس ببدع ، غير أنّه هكذا على خلاف المعتاد ، فهو إذن من معجزاته.
وقيل : كانت النار بحالها ، لكنّه تعالى نزع عنها طبعها الّذي طبعها عليه من الحرّ والإحراق ، وأبقاها على الإضاءة والإشراق والاشتعال كما كانت ، والله على كلّ شيء قدير. ويجوز أن يدفع الله تعالى بقدرته عن جسم إبراهيم أذى حرّها ، ويذيقه فيها عكس ذلك ، كما يفعل بخزنة جهنّم ، وكما ترى في السمندر.
(وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً) مكرا في إضراره (فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ) أخسر من كلّ خاسر ، لمّا عاد سعيهم برهانا قاطعا على أنّهم على الباطل وإبراهيم على الحقّ ، وموجبا لمزيد درجته واستحقاقهم أشدّ العذاب.
قال ابن عبّاس : إنّ الله تعالى سلّط على نمروذ وخيله البعوض ، حتّى أخذت لحومهم ، وشربت دماءهم ، ووقعت واحدة في دماغه حتّى أهلكته ، وذلك معنى قوله : (فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ).
(وَنَجَّيْناهُ) من نمروذ وكيده (وَلُوطاً) وهو ابن أخيه (إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ) بأن أمرناهما أن يذهبا من العراق إلى الشام. وبركاته الواصلة إلى
__________________
(١) الطنفسة : البساط والحصير.
(٢) تفسير الوسيط ٣ : ٢٤٤.