(وَما أَرْسَلْناكَ) يا محمّد (إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) لأنّ ما بعثت به سبب لإسعادهم ، وموجب لصلاح معاشهم ومعادهم. فمن تبعك فإنّه فائز سعيد في الدارين ، ومن لم يتّبع فإنّه شقيّ محروم حيث ضيّع نصيبه. ومثاله : أن يفجّر الله عينا غزيرة وسيعة ، فيسقى ناس زروعهم ومواشيهم بمائها فيفلحوا ، ويبقى ناس مفرّطون عن السقي فيضيعوا. فالعين المفجّرة في نفسها نعمة من الله ورحمة للفريقين ، ولكنّ الكسلان أوقع المحنة العظيمة على نفسه ، حيث حرّمها من الرحمة الجليلة.
عن ابن عبّاس : أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم رحمة للبرّ والفاجر ، والمؤمن والكافر. فهو رحمة للمؤمن في الدنيا والآخرة ، ورحمة للكافر بأن عوفي ممّا أصاب الأمم من الخسف والمسخ.
وروي : أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال لجبرئيل لمّا نزلت هذه الآية : «هل أصابك من هذه الرحمة شيء؟ قال : نعم ، إنّي كنت أخشى عاقبة الأمر ، فآمنت بك لمّا أثنى الله عليّ بقوله : (ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ) (١). وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إنّما أنا رحمة مهداة».
(قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) أي : ما يوحى إليّ إلّا أنّه لا إله لكم إلّا إله واحد.
واعلم أنّ «إنّما» لقصر الحكم على شيء ، أو لقصر الشيء على حكم ، كقولك : إنّما زيد قائم ، أي : لا يفعل سوى القيام ، وإنّما يقوم زيد ، أي : يقوم زيد لا غير. وقد اجتمع المثالان في هذه الآية ، لأنّ (إِنَّما يُوحى إِلَيَّ) مع فاعله بمنزلة : إنّما يقوم زيد ، و (أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) بمنزلة : إنّما زيد قائم. وفائدة اجتماعهما : الدلالة على أنّ المقصود الأصلي من بعثته مقصور على التوحيد ، وأنّ الوحي إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم مقصور على استئثار الله بالوحدانيّة.
ويجوز أن يكون المعنى : أن الّذي يوحى إليّ. فتكون «ما» موصولة. وفي الآية
__________________
(١) التكوير : ٢٠.